ما بعد الدولة: نماذج الحكم الهجين وتأثيرها على حق تقرير المصير الفلسطيني

تابعنا على:   00:00 2025-12-24

أمد/ تشهد المقاربات الدولية المطروحة لمعالجة القضية الفلسطينية، ولا سيما في سياق »اليوم التالي لغزة«، تحولًا متزايدًا من نموذج الدولة ذات السيادة إلى نماذج
حكم هجينة أو شبه سيادية. تستند هذه المقاربات إلىإعادة تعريف مفهوم السيادة، وتفكيك عناصر الدولة التقليدية، وربط أي ممارسة للحكم الفلسطيني بشرعية
تدخل خارجي لأسباب أمنية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذه النماذج في أبعادها القانونية والسياسية، وقياس مدى اتساقها مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واستشراف آثارها
المحتملة على المشروع الوطني الفلسطيني ووحدة النظام السياسي.

وتخلص الدراسة إلى أن النماذج الهجينة، رغم تقديمها بوصفها حلولًا واقعية أو انتقالية، تنطوي على مخاطر بنيوية قد تؤدي إلى تكريس حالة دائمة من الحكم
المنقوص، وتآكل فكرة الدولة، وتحويل الصراع من قضية تحرر وطني إلى مسألة إدارة أمنية–سكانية.

أولًا: مقدمة الدراسة وإشكالية البحث

منذ انطلاق العملية السياسية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، شكل حل الدولتين الإطار المرجعي المعلن لتسوية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. غير أن
التطورات الميدانية والسياسية، ولا سيما بعد حرب غزة الأخيرة، أفضت إلى بروز مقاربات جديدة تعيد النظر في هذا الإطار، وتطرح بدائل تتجاوز مفهوم الدولة
الفلسطينية ذات السيادة الكاملة.

تتمحور إشكالية الدراسة حول السؤال التالي: إلى أي مدى تمثل النماذج الهجينة للحكم الفلسطيني مقاربة قابلة للاستدامة، وما انعكاساتها القانونية
والسياسية على حق تقرير المصير وبنية النظام السياسي الفلسطيني؟

ثانيًا: الإطار المفاهيمي – الدولة والسيادة في القانون الدولي

1. مفهوم الدولة

يستند القانون الدولي الكلاسيكي إلى معايير اتفاقية مونتيفيديو (1933)، التي تحدد أربعة عناصر متلازمة لقيام الدولة:
• سكان دائمون
• إقليم محدد
• حكومة فعالة
• قدرة على إقامة علاقات دولية

ويفهم من هذا النموذج أن السيادة وحدة قانونية
وسياسية غير قابلة للتجزئة.

2. مفهوم السيادة المحوّلة

شهد النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة بروز حالات
حكم تتسم بـ:
• سيادة منقوصة
• وصاية دولية مؤقتة
• إدارات انتقالية موسعة

غالبًا ما ارتبطت هذه النماذج بحالات نزاع داخلي أو انهيار مؤسساتي، وجرى تبريرها باعتبارات الاستقرار والأمن.

ثالثًا: المرجعية القانونية المطروحة – قراءة في القرار 242

تعتمد بعض الطروحات الحالية على قرار مجلس الأمن
رقم 242 كمرجعية أساسية، وهو قرار:
• لم ينص صراحة على إقامة دولة فلسطينية.
• صيغ في سياق تسوية إقليمية بعد حرب 1967.
• ركّز على ترتيبات أمنية وحدودية.

في المقابل، نصت قرارات لاحقة (1397، 1515،
233) بوضوح على حل الدولتين وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. إن العودة الحصرية إلى القرار 242 تعكس تضييقًا متعمدًا في الإطار القانوني للحل.

رابعًا: غزة كنموذج تطبيقي – قراءة تحليلية

تُستخدم تجربة غزة في بعض الأدبيات بوصفها دليلًا على فشل ممارسة الفلسطينيين للسيادة. إلا أن هذه القراءة تتجاهل معطيات جوهرية، أبرزها:
• غياب السيطرة الفلسطينية على الحدود والمعابر.
• عدم التحكم بالمجالين الجوي والبحري.
• القيود الصارمة على الاقتصاد والموارد.
• الحصار العسكري والعمليات المتكررة.

وعليه، فإن توصيف ما جرى في غزة على أنه »فشل سيادي« يفتقر إلى الدقة، إذ لم تتوافر أصلًا مقومات السيادة المعترف بها دوليًا.

خامسًا: الحكم الذاتي شبه السيادي (SSG)

1. التعريف والخصائص

يشير مفهوم الحكم الذاتي شبه السيادي إلى:
• إدارة فلسطينية محلية للشؤون المدنية.
• صلاحيات محدودة في المجال الأمني.
• وجود آلية تدخل خارجي »مشروعة« عند نشوء
تهديدات.

2. الإشكاليات القانونية

يطرح هذا النموذج تساؤلات حول:
• حدود الولاية القانونية للإدارة المحلية.
• معايير تعريف »التهديد«.
• الجهة المخولة بتقدير مشروعية التدخل.

سادسًا: السيادة الدولية الهجينة

يقوم هذا النموذج على فصل عناصر الدولة، بحيث:
• تُدار شؤون السكان محليًا.
• يخضع الإقليم لإشراف أمني خارجي.
• تُمارس العلاقات الدولية عبر رعاية دولية.

يؤدي هذا الفصل إلى كيان معترف به شكليًا، لكنه يفتقر إلى مقومات الاستقلال الفعلي.

سابعًا: التداعيات على النظام السياسي الفلسطيني

• إضعاف مركزية مشروع الدولة.
• إعادة تعريف دور السلطة الفلسطينية كإدارة خدمات.
• تعميق الانقسام الجغرافي والمؤسسي.
• تآكل الثقة الشعبية بالعملية السياسية.
• تحميل الجانب الفلسطيني مسؤوليات أمنية دون
أدوات سيادية.

ثامنًا: مقارنات دولية مختصرة

تشير تجارب دولية متعددة إلى أن النماذج الهجينة:
• قد تحقق استقرارًا مؤقتًا.
• لكنها غالبًا ما تنتج أنظمة سياسية مشلولة.
• وتؤجل الأزمات بدل حلها جذريًا.

تاسعًا: السيناريوهات المحتملة
    1.    النموذج الهجين المستدام:
استقرار هش مع أزمات دورية.
    2.    فشل النموذج:
فراغ سياسي وأمني.
    3.    إعادة طرح الدولة:
يتطلب توافقًا داخليًا ودعمًا دوليًا مختلفًا.

عاشرًا: خلاصات وتوصيات

الخلاصات
• النماذج الهجينة لا تشكل بديلًا مكتملًا عن الدولة.
• تفكيك السيادة يقوض حق تقرير المصير.
• غياب الأفق السياسي يهدد الاستقرار طويل الأمد.

التوصيات
• التأكيد على وحدة عناصر الدولة كمرجعية غير قابلة
للتجزئة.
• رفض تحويل الحلول الانتقالية إلى صيغ دائمة.
• إعادة تثبيت المرجعية القانونية الدولية الشاملة.
• تطوير خطاب فلسطيني قانوني–سياسي موحد.
• ربط أي ترتيبات مرحلية بأفق سيادي واضح وجدول
زمني محدد.

خاتمة

تخلص هذه الدراسة إلى أن الانتقال من نموذج الدولة إلى نماذج الإدارة الهجينة لا يعالج جذور الصراع، بل يعيد صياغته ضمن أطر وظيفية وأمنية قد تفضي إلى
إدامته.

وعليه، فإن الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره يقتضي مقاربة حذرة لهذه الطروحات، تستند إلى القانون الدولي ووحدة المشروع الوطني.

كلمات دلالية

اخر الأخبار