 
                                            هل الموت خلل بيولوجي؟
 
                            
                                                    د. نهاد رفيق السكني
أمد/ 🔹 مقدمة
منذ أن بدأ الإنسان يراقب ظاهرة الموت، حاول أن يفهمها كما يفهم أيّ مرض أو خلل في الجسد. فالموت – في نظر العقل العلمي – ليس نهاية فلسفية بقدر ما هو ظاهرة بيولوجية معقّدة يمكن تحليلها على مستوى الخلية، والحمض النووي، والتوازن الحيوي.
لكن هل يمكن اعتبار الموت فعلًا "خطأً" في برمجة الحياة؟ أم أنه جزء أصيل من تصميمها البيولوجي؟
🔹 بين الخلل والوظيفة
عند النظر إلى الخلايا الحية تحت المجهر، نكتشف أن الموت ليس حدثًا مفاجئًا، بل عملية مبرمجة تعرف باسم Apoptosis – أي الموت الخلوي المنظم. هذه الآلية تعمل كل يوم داخل أجسادنا لتزيل الخلايا المريضة أو القديمة، وتحافظ على توازن الأنسجة.
ولو توقفت هذه الآلية عن العمل، لتحوّل الجسد إلى كتلة فوضوية من الخلايا المتراكمة، وقد ينشأ منها السرطان.
إذن، الموت ليس خللًا بالمعنى الصريح، بل وظيفة ضرورية لاستمرار الحياة.
🔹 نظرة الوراثة الحديثة
أثبتت الأبحاث الحديثة أن لكل كائن حي "ساعة جينية" تتحكم في عمره البيولوجي. هذه الساعة مرتبطة بأطوال التيلوميرات – وهي الأجزاء النهائية من الكروموسومات التي تقصر مع كل انقسام خلوي.
حين تصل التيلوميرات إلى حدّها الأدنى، تتوقف الخلايا عن الانقسام، وتدخل في ما يشبه “الشيخوخة الجينية”.
وقد تمكّن العلماء في السنوات الأخيرة من إبطاء هذه العملية عبر تعديل الجينات المسؤولة عن إنزيم التيلوميراز، الذي يرمّم هذه النهايات. إلا أن إعادة ضبط الساعة بالكامل ما تزال حلمًا لم يتحقق.
🔹 الموت في ضوء التطور
في علم الأحياء التطوري، يُنظر إلى الموت كآلية انتقائية تحافظ على صلاح النوع لا الفرد. فلو عاش كل كائن إلى الأبد، لامتلأت الأرض بالكائنات القديمة، وتوقفت فرص التطور.
الموت، من هذا المنظور، هو تجديد مستمر للأنواع عبر تداول الجينات بين الأجيال، وليس خللًا، بل نظام ضبط كوني يحافظ على توازن الحياة.
🔹 تأمل ختامي
ربما كان الموت في نظر العاطفة مأساة، لكنه في نظر البيولوجيا ضرورة وجودية.
فكل خلية تموت تُفسح المجال لأخرى، وكل جيل يرحل يترك خلفه جيناته في الأبناء، كأن الحياة نفسها تكتب من جديد في كل لحظة.
وإذا كان الخلود حلمًا بشريًا قديمًا، فإن العلم اليوم لا يسعى لإلغائه تمامًا، بل لفهم حدوده، وتعلّم كيف نعيش زمننا القصير بأعلى كفاءة بيولوجية ممكنة.
🔹 ومضة من الشرق
قبل أسابيع، وخلال منتدى علمي حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صرّح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن “الإنسان سيعيش أطول مما تخيّل العلماء في القرن الماضي”.
هذا التصريح لم يكن سياسيًا بقدر ما هو إشارة علمية إلى التوجّه الصيني نحو بحوث إطالة العمر البيولوجي، حيث تستثمر الصين مليارات الدولارات في مختبرات الذكاء الحيوي والهندسة الوراثية، في محاولة لإعادة تعريف معنى الشيخوخة والموت.
وربما سنجد أنفسنا قريبًا أمام إنسان جديد، لا يولد فقط في الأرحام، بل يُعاد تصميمه في المختبرات — وهي الفكرة التي سنقف أمامها في المقال القادم: «الإنسان القادم من المختبرات»

 
                     
                                                             
             
                                 
                                             
                                             غياب آلية رقابة تنفيذ خطة ترامب وجهل حماس التفاوضي
غياب آلية رقابة تنفيذ خطة ترامب وجهل حماس التفاوضي
                 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                     
                             
                             
                             
                             
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                        