تدهور النفوذ الإقليمي لإيران في 2025.. من محور المقاومة إلى المأزق الاستراتيجي
د. سامي خاطر
أمد/ في عام 2025 يواجه النظام الملالي الحاكم في إيران أحد أخطر الفترات في تاريخه المعاصر ما كان يُسمى سابقًا «محور المقاومة» ويمتد من طهران إلى شواطئ البحر المتوسط تحول الآن إلى مجموعة من الجبهات المتناثرة والمُضعَفة.. هذا التدهور ليس نتيجة الضغوط الخارجية فحسب بل هو أيضًا نتيجة مباشرة للأزمات البنيوية الداخلية، وعدم كفاءة الرؤية الاستراتيجية، وفقدان الشرعية الشعبية.
نظام ولاية الفقيه الذي استثمر عقودًا فيما أسماه بتصدير الثورة، والتدخل في شؤون الدول المجاورة يواجه اليوم حقيقة مريرة: نفوذه ينهار، أدواته تتآكل، وصوت المعارضة الداخلية والخارجية يعلو أكثر من أي وقت مضى.
غزة: نقطة انكشاف كذبة «محور المقاومة»
كشفت الحرب في غزة خلال العامين الماضيين عن وجه ملالي إيران الحقيقي.. فطهران التي كانت تُقدّم نفسها «داعمة المقاومة الفلسطينية» عجزت عمليًا عن تقديم دعم فعال يتجاوز البيانات الإعلامية والمساعدات الرمزية.. وبينما كان أطفال غزة يلقون حتفهم تحت القصف لم يقم النظام الإيراني سوى بإطلاق شعارات جوفاء دون أي تحرك جدي؛ هذا التناقض كشف الهوة العميقة بين الشعار والفعل، وأثار شكوكًا كبيرة حتى بين أنصار إيران التقليديين في العالم العربي.
لبنان: من ذراع قوي إلى عبء وطني ثقيل
حزب الله اللبناني الذي كان يومًا فخرًا لنظام إيران أصبح اليوم أحد أكبر تحديات طهران.. فالهجمات الإسرائيلية المستمرة على البنى التحتية، واغتيال القادة العسكريين الكبار، وتدمير القدرات الصاروخية، أضعفت الحزب بشكل كبير.. وتُظهر تقارير استخباراتية أن حزب الله خسر أكثر من 60% من قدراته الصاروخية الدقيقة وشبكته الاتصالاتية تعطلت بشدة.. لكن الأهم من الخسائر العسكرية هو أزمة الشرعية الداخلية؛ فاللبنانيون بغض النظر عن طوائفهم، يعتبرون حزب الله مسؤولًا عن الانهيار الاقتصادي، والفساد السياسي وتحويل البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة.. وتُظهر استطلاعات مستقلة في 2025 أن أكثر من 70% من اللبنانيين يطالبون بنزع سلاح حزب الله، وطهران التي كانت تنفق أكثر من مليار دولار سنويًا على الحزب تواجه الآن عائدًا صفريًا فلا أمن استراتيجي، ولا نفوذ سياسي، ولا حتى ولاء شعبي.
سوريا: نهاية استثمار دامٍ
سوريا التي كانت تُسمى «العمق الاستراتيجي» لإيران تحولت اليوم إلى مستنقع لطهران بعد إنفاق أكثر من 30 مليار دولار وإرسال آلاف القوات الوكيلة، ولم تفقد إيران السيطرة السياسية على دمشق فحسب بل خسرت وجودها العسكري أيضًا.. وهذا العجز لا يُشكك في مصداقية النظام الإيراني عسكريًا فحسب، بل يُظهر تغيّر موازين القوى في المنطقة وأن إيران لم تعد صانعة القرار بل متفرجًا.
اليمن والعراق: سلسلة من الهزائم المتتالية
في اليمن.. الحوثيون الذين وصلوا إلى السلطة بأسلحة وتدريب إيراني يواجهون الآن ضغطًا دوليًا شديدًا.. فقدرتهم على تهديد الملاحة الدولية انخفضت بشكل كبير، ويعتبرهم المجتمع اليمني عامل تدمير للبلاد، وفي العراق تواجه الميليشيات المدعومة من إيران مقاومة شعبية وحكومية متزايدة، والبرلمان العراقي أقر مشروعًا لتقييد نشاط الميليشيات يستهدف مباشرة مصالح طهران.
الأزمة الداخلية: جذر التدهور الأساسي
لكن أكبر تهديد لنظام إيران لا يكمن في بيروت أو دمشق اليوم بل في شوارع طهران وأصفهان وتبريز.. فالتضخم الذي يتجاوز 50%، بطالة الشباب التي تفوق 30%، والفساد المنهجي كل ذلك دفع المجتمع الإيراني إلى حافة الانفجار، وتُظهر الاحتجاجات المتفرقة المستمرة في 2025 أن شعارات محور «المقاومة» لم تعد قادرة على تبرير الجوع.. والجيل الجديد من الإيرانيين الذين يشكلون 60% من السكان وأعمارهم دون 35 عامًا لا يهتم بأيديولوجية الثورة ولا بالمغامرات الإقليمية وإنما يريدون مستقبلًا يُعطي الأولوية للخبز والحرية والكرامة الإنسانية لا للصواريخ والميليشيات.
المعارضة الخارجية.. صوتٌ لم يعد يُخفت
خارج الحدود تعمل المعارضة الإيرانية بصورة أكثر تنظيمًا وفعالية من أي وقت مضى.. مظاهرات أكتوبر 2025 في بروكسل بحضور عشرات الآلاف، وفي نيويورك بمشاركة واسعة من الإيرانيين المقيمين في أمريكا، وقد أظهر ذلك نضجًا سياسيًا لهذه الحركة.. كما تقوم خلايا المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية بتنفيذ عشرات العمليات اليومية المنظمة والمنسجمة في جميع أنحاء إيران لكسر حاجز الاختناق وتحفيز الشعب على الانتفاضة والثورة.
المأزق الاستراتيجي.. ونهاية وهم
نظام إيران محاصر في مأزق استراتيجية «العمق الاستراتيجي» في الدول المجاورة والذي لم يجلب الأمن بل حول إيران إلى دولة معزولة فقيرة، وفاقدة للمصداقية.. وثروات البلاد أُنفقت على مغامرات لم تجلب للشعب الإيراني أي نفع.
ختاماً.. بداية نهاية عصر
قد يكون عام 2025 نقطة تحول في تاريخ إيران ليس بسبب انتصار عسكري أو إنجاز دبلوماسي بل بسبب انهيار تدريجي لنموذج حكم محور المقاومة الذي كان من المفترض أن يجعل إيران قوة إقليمية عظمى تحول إلى سلسلة تُغرق البلاد في أعماق الأزمة، وصوت الشعب الإيراني سواء داخل البلاد أو خارجها لم يعد بالإمكان كتمه.. والتغيير ليس احتمالًا بل ضرورة تاريخية، ونظام ولاية الفقيه القائم على الكذب والقمع والمغامرة لا يستطيع الصمود أمام واقع القرن الحادي والعشرين.
وفي هذا السياق، تلعب المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI) دورًا محوريًا كرمز لإرادة الشعب المنظمة، والمجلس الوطني للمقاومة بوصفه برلمانًا منفيًا للمعارضة الديمقراطية يضم تحالفًا من القوى المتنوعة ويمثل أغلبية الشعب الإيراني بما في ذلك أكثر من نصف أعضائه من النساء والأقليات العرقية والدينية وهو الضامن للوحدة الوطنية لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وقد رسمت السيدة رجوي التي تتولى قيادة المجلس منذ عام 1993 مسارًا واضحًا للانتقال السلمي إلى الديمقراطية بطرحها الحل الثالث (لا مهادنة مع النظام ولا حرب خارجية بل تغيير النظام من قبل الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة) .. هذا الحل يستند إلى فصل الدين عن السلطة، حقوق المرأة، والسلمية في العلاقات الدولية، ويعد بمستقبل يتجاوز الإيديولوجيات المتطرفة.
مستقبل إيران لا يكمن في دمشق أو غزة بل في إرادة شعبها للعيش بحرية ورفاهية.. إرادة ستتحول قريبًا إلى واقع تحت قيادة السيدة رجوي وبدعم الحل الثالث، وهذا التغيير ليس نهاية عصر ولاية الفقيه فحسب بل بداية عهد الديمقراطية الحقيقية في إيران.
