ترامب يوسّع صلاحيات الرئاسة الأمريكية إلى مستويات غير مسبوقة في ولايته الثانية
أمد/ واشنطن: ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام، خلال عامه الأول في ولايته الثانية، بتوسيع نطاق السلطة التنفيذية بشكل غير مسبوق في التاريخ الأمريكي الحديث، بالتوازي مع تبنّي مظاهر رمزية ذات طابع ملكي، في ما وصفه مراقبون بأنه انتقال بالرئاسة الأمريكية إلى مرحلة جديدة من «الرئاسة الإمبراطورية».
وبحسب التقرير الذي أعدّه كبير مراسلي البيت الأبيض في الصحيفة، بيتر بيكر، فإن ترامب لم يكتفِ بدفع حدود الصلاحيات الدستورية للرئاسة، بل أعاد صياغة موقع الرئيس داخل النظام السياسي، مستفيدًا من ضعف مقاومة الكونغرس، وتراجع دور القضاء كجهة رادعة.
مظاهر ملكية داخل البيت الأبيض
وأشارت الصحيفة إلى أن استقبال ترامب لولي العهد السعودي في البيت الأبيض الشهر الماضي تميّز بعروض جوية عسكرية، ومواكب خيول، وموائد احتفالية طويلة، في مشهد شابه إلى حد كبير الاستقبال الملكي الذي حظي به ترامب خلال زيارته الرسمية إلى الملك تشارلز الثالث في بريطانيا قبل ذلك بشهرين.
ولفت التقرير إلى أن هذه الممارسات تأتي ضمن سياق أوسع يشمل إدخال زخارف ذهبية إلى المكتب البيضاوي، وخطط لهدم الجناح الشرقي للبيت الأبيض لبناء قاعة احتفالات ضخمة، إلى جانب وضع اسم وصورة الرئيس على مبانٍ حكومية ومؤسسات ثقافية وطنية.
تركيز غير مسبوق للسلطة التنفيذية
ووفق نيويورك تايمز، أصدر ترامب خلال عامه الأول نحو 225 أمرًا تنفيذيًا، وهو رقم يقارب ثلاثة أضعاف ما أصدره أي رئيس أمريكي آخر في عامه الأول خلال العقود السبعة الماضية. كما أعاد تفسير بعض النصوص الدستورية بقرارات رئاسية مباشرة، وقلّص دور وكالات وهيئات أنشأها الكونغرس.
وأشار التقرير إلى أن الرئيس استخدم القوات في شوارع أمريكية، وشن عمليات عسكرية غير مصرح بها من الكونغرس، ووسّع استخدام أجهزة إنفاذ القانون في ملاحقة خصومه السياسيين، في حين منح العفو الرئاسي لحلفائه المقربين.
ولاية ثانية أكثر تنظيمًا وأقل مقاومة
وأوضحت الصحيفة أن الفارق الأساسي بين ولايتي ترامب الأولى والثانية يتمثل في دخوله البيت الأبيض هذه المرة بخطة واضحة وفريق موالٍ بالكامل، بعدما أمضى أربع سنوات خارج السلطة في الإعداد للعودة.
ونقلت الصحيفة عن جيسون ميلر، المستشار السابق لترامب، قوله إن الرئيس «يعرف الآن كيف يعمل النظام، ومن هم اللاعبون الدوليون والداخليون، وما الاستراتيجيات التي تنجح».
شعبية متدنية رغم الهيمنة السياسية
ورغم اتساع نفوذه، أشارت نيويورك تايمز إلى أن ترامب لا يزال أكثر الرؤساء المنتخبين عدم شعبية في التاريخ الأمريكي الحديث، إذ لم يحظَ يومًا بتأييد أغلبية الأمريكيين. وتبلغ نسبة تأييده الحالية 36% وفق استطلاعات غالوب، وهي أقل من جميع الرؤساء المنتخبين بعد عامهم الأول في المنصب.
ومع ذلك، أوضح التقرير أن هذا التراجع في الشعبية لم يحدّ من سلطته، في ظل انقسام سياسي حاد يرى فيه أنصاره زعيمًا قويًا يواجه «الدولة العميقة»، بينما يعتبره معارضوه تهديدًا مباشرًا للديمقراطية الأمريكية.
سياق تاريخي وتحذيرات من تطبيع التجاوزات
ووضعت الصحيفة تجربة ترامب في سياق تاريخي لتوسع السلطة الرئاسية، بدءًا من أبراهام لينكولن وصولًا إلى ريتشارد نيكسون، الذي ارتبط اسمه بمفهوم «الرئاسة الإمبراطورية». غير أن التقرير أشار إلى أن ترامب تجاوز حتى سوابق نيكسون، الذي كان يدرك — وفق مؤرخين — وجود حدود لا ينبغي تخطيها.
ونقلت الصحيفة عن مؤرخين تحذيرهم من أن خطورة المرحلة الحالية تكمن في تطبيع تجاوز الصلاحيات، بحيث تصبح ممارسات كانت تُعد صادمة في السابق جزءًا من الواقع السياسي اليومي.
استفادة مالية وتراجع آليات الرقابة
كما أفاد التقرير بأن عائلة ترامب حققت مكاسب مالية كبيرة منذ عودته إلى البيت الأبيض، عبر صفقات تجارية واستثمارات، بالتوازي مع تفكيك أدوات المحاسبة، بما في ذلك إقالة مفتشين عامين، وتعيين موالين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
تساؤلات حول مستقبل النظام السياسي
واختتمت نيويورك تايمز تقريرها بالتساؤل عمّا إذا كانت التحولات التي أحدثها ترامب ستصبح دائمة، أم أن النظام السياسي الأمريكي سيعيد التوازن بين السلطات كما فعل في مراحل سابقة، مشيرة إلى بوادر مقاومة قضائية وتشريعية لا تزال محدودة حتى الآن.
