دماء على أشجار البرتقال والزيتون ...!

تابعنا على:   19:06 2023-10-05

د. عبد الرحيم جاموس

أمد/ دماء على أشجار البرتقال والزيتون ...!
د. عبد الرحيم جاموس
نعم مرَّ قرن كامل من الزمن بدأ مع الإحتلال البريطاني لفلسطين، وانقشاع الحكم العثماني عنها شأنها شأن بقية الأقطار التي انقشع عنها الحكم العثماني خلال القرنين التاسع عشر والعشرين لصالح الدول الإستعمارية الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. حيث تقاسمت تلك الأراضي والأوطان العربية التي حُكمت لمدة زادت عن اربعمائة عام من قبل السلطنة العثمانية البائدة، حتى بدأت هذه السلطنة بالتهاوي والإندحار عن مناطق حكمها لصالح الدول والقوى الأوروبية الناهضة، حيث حسم مصير آخر ممتلكاتها خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت الدول الإستعمارية بزعامة بريطانيا ودعم وتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود الإشكناز الأوربيين في فلسطين التي لا يمتون لها بأي صلة كانت عرقية أو دينية، فقط الهدف كان هو التخلص من يهود أوروبا وإقامة كيان لهم غريبا في الوطن العربي يفصل شرقه عن غربه ويلعب دورا خدميا لصالح المستعمر الغربي في السيطرة والهيمنة والنفوذ على مقدرات الوطن العربي الكبير، هذا الكيان الغريب عن المنطقة مصيره سيبقى مرتبطا لا محالة بالتبني والدعم الغربي الأمريكي والأوروبي الكامل، ولا حياة له ولا مستقبل له دون إستمرار هذه العلاقة الإستعمارية العضوية، إذ بدونها لا يمكن أن يوجد ويستمر ويذوب ويتلاشى بدون حرب تشن عليه، هذا المخطط الجهنمي الإستعماري العنصري الإحلالي الفاشي الإستيطاني الديني، بدأ تنفيذه فور إحتلال فلسطين في السادس من ديسمبر من العام 1917م حيث وقعت فلسطين تحت الإحتلال البريطاني الذي أخذ على عاتقه إنشاء هذا الكيان لليهود الإشكناز، مع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت قد توافرت شروط وعوامل إعلان قيامه ونشأته، حيث اعلنت بريطانيا نهاية انتدابها في 14/5/1948 م، لتعلن بعدها المنظمات الإرهابية الصهيونية التي مكنها البريطانيون أنفسهم من إعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، منذ وضعت فلسطين تحت الإستعمار البريطاني توالت الإنتفاضات والثورات الفلسطينية الرافضة للهجرة اليهودية من جهة والمطالبة بالإستقلال لفلسطين شأنها شأن بقية الأقاليم المنسلخة عن الدولة العثمانية لكن القوى والدول الإستعمارية احكمت مخططها الجهنمي ووفرت له كل اسباب النجاح ووفرت له التغطية السياسية والقانونية الزائفة والباطلة، ابتداء من صدور قرار صك الإنتداب الصادر عن عصبة الأمم إلى صدور القرار181 عن الأمم المتحدة والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة يهودية تَكفلَ الغرب بإقامتها، ودولة فلسطينية لم ترى النور لغاية الآن بسب الإنحياز لكيان المستعمرة وشرعنة كافة أفعاله الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والولاية والسيادة على إقليم فلسطين وذلك من سلب وتهجير وطرد وقتل ومصادرة لممتلكاته وغيرها ..!
تعددت القوى الإستعمارية المشتركة في صناعة كيان الإغتصاب للإقليم المستهدف فلسطين، رغم ذلك لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن النضال والكفاح بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة من أجل حقوقه في العودة والحرية والكرامة والإستقلال وقدم اجلى وأنصع صور النضال والكفاح، ولازال يناضل ويبني ويراكم الإنجازات من أجل تحقيق حقوقه واستعادة وطنه وحريته وسيادته، رغم كل ذلك يأتي البعض من الأشقاء من يحمل الشعب الفلسطيني وقيادته مسؤولية ما حل به من نكبات ونكسات .. متجاهلا كل عناصر القوى الإستعمارية التي خططت ونفذت جريمة اغتصاب فلسطين ولازالت توفر كل أسباب التفوق والنجاح للمشروع الصهيوني في المنطقة ..
بل والأنكى من ذلك أن يتبارى بعض من الكتاب بتوجيه الإتهام للشعب الفلسطيني بأنه يتقن تضييع الفرص في إستعادة حقوقه أو بعض منها، طبعا لا لشيء سوى لتبرير مواقفه المتقاعسة عن القيام بواجبه وعجزه عن القيام بما يفرضه عليه الواجب الإنساني أولا قبل الوطني والقومي والديني والمصلحي...
لأن فلسطين لم تستهدف يوما لذاتها ونقطة وإنما تستهدف دائما لما تمثله تجاه العالم العربي والإسلامي ..
فقد قاتل وناضل الفلسطينيون لأكثر من قرن من الزمن قدموا خلاله عشرات آلاف من الشهداء ومن الجرحى والأسرى، سالت دماؤهم بين وعلى أشجار البرتقال التي كانت تغطي السهول وبين على أشجار الزيتون التي تغطي جبال فلسطين، خلال انتفاضات وثورات متلاحقة لازالت تتواصل وتتصاعد ولكن لا مجيب ...
لقد وافق وقبل الفلسطينيون كافة مبادرات السلام التي تستند إلى ما يعرف بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بإقليم فلسطين ما قبل الإنتداب وما بعده، واستجاب الفلسطينيون لكافة مبادرات السلام العربية والدولية .. ولم ينفذ منها أي قرار وأي مبادرة عربية وغير عربية بسبب التعنت والرفض والتطرف الإسرائيلي والطمع في التوسع الإستيطاني والسيطرة والضم والتهويد للأراضي الفلسطينية ...
فكيف يستقيم المنطق التخاذلي الذي يتهم الفلسطينيون بتفويت الفرص، عن أي فرص يتحدث أمثال هؤلاء، فليعطوا الشعب الفلسطيني فرصة واحدة حقيقية إلى تنفيذ قرارات الشرعية من قرار التقسيم لسنة 1947م إلى القرارات ،،194 ،،،242..338....2334 وغيرها من القرارات الأممية التي أدانت ورفضت الإستيطان الصهيوني وتغيير معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967م، والتي تؤكد على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه وغير القابلة للتصرف في العودة وتقرير المصير الخ ... إذا رفض الشعب الفلسطيني ذلك فلكم أن تتهموه وقياداته بتفويت الفرص، والحقيقة ومن بعد حرب أكتوبر 1973 م قد أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العاشرة في العام 1974 مشروعا وبرنامجا سياسيا من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، وتبلور وبشكل صريح في بيان الإستقلال الذي اعتمده مجلسه الوطني في 15/11/1988 والذي يستند إلى رؤية حل الدولتين ....
رغم كل التنازلات التاريخية التي يتضمنها مشروع السلام الفلسطيني والعربي، يستمر الإتهام للشعب الفلسطيني وقيادته بعدم الواقعية وبتفويت الفرص المتوالية لاستعادة بعض حقوقه ..
لأجل ذلك يستمر نزف الدم الفلسطيني على حد السيف الصهيوني وبين أشجار البرتقال والزيتون التي تغطي سهول ووديان وجبال فلسطين ..
لن يتوقف هذا النزف والجريان حتى يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه ومراده في وطنه فلسطين كاملة أسوة بكل الشعوب ...
يرونه بعيدا ونراه قريبا وإنا لصادقون.

كلمات دلالية

اخر الأخبار