عقيدة جابوتنسكي .. وعقيدة الفلسطيني؟!!

تابعنا على:   08:07 2023-10-03

واصف عريقات

أمد/ سميت عقيدة جابوتنسكي " الجدار الحديدي " نسبة الى زئيف جابوتنسكي الصهيوني الاوكراني قائد عصابات الإيتسل الصهيونية ومن أهم مؤسسي الصندوق القومي اليهودي والفيلق اليهودي الذي شارك في الحرب العالمية الاولى الى جانب بريطانيا، وهو أحد معارضي مشروع شرق افريقيا كحل للمسألة اليهودية ، ومن دعاة ان لا تقتصر حدود اسرائيل على فلسطين بل تتعداها.
وبرزت هذه العقيدة عندما كتب جابوتنسكي مقالاً ونشره في تشرين الثاني/ نوفمبر 1923 باللغة الروسية تحت عنوان "الجدار الحديدي". واصبح في ما بعد قانونا، يظن البعض ان الجدار يعني الحدود الفاصلة ولكنه ليس كذلك بل اعمق بكثير ويمثل ايديولوجية العقيدة العسكرية والسياسية لليمين الصهيوني المتطرف التي تطبق الان على ارض الواقع . ومفادها هجرة يهودية وأكثرية استيطانية، وبناء دولة تتحالف مع دولة عظمى ودفع العرب والفلسطينيين لفقدان الأمل بهزيمة اسرائيل واخضاعهم لقبول اسرائيل . وبما انه لا مجال لقبول الفلسطينيين بوجود الصهاينة على ارضهم، لذلك قال جابوتنسكي لن نسعى للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين ما دام لديهم بصيص أمل للتخلص منّا. لذلك لا بد من استخدام كل وسائل القوة الذاتية العسكرية والمادية والدولية لإخضاع الفلسطينيين، وإن لم تنجح القوة العسكرية والمادية ستنجح مزيد من القوة حتى يفقد الفلسطينيين أي أمل بالقدرة على المواجهة، ويتابع جابوتنسكي: "يجب أن تحظى الصهيونية بموافقة، ليس من عرب فلسطين، لأن ذلك مستحيل، بل من باقي العالم العربي، من سوريا وبلاد أرام النهرين (العراق) والحجاز، وربما مصر، إذا كان هذا ممكناً... كل هذا لا يكفي، لو استطعنا إقناع عرب مكة والعراق بأن فلسطين ليست أرضهم، وبأنها ليست مهمة بالنسبة إليهم، لكنها تبقى، بالنسبة إلى عرب فلسطين، هي بلادهم وموطنهم الوحيد، مركز حياتهم ووجودهم الوطني الذاتي. لذلك لا يمكن ممارسة الاستيطان إلا بالقوة رغماً عن الفلسطينيين، القوة العسكرية التي يتحدث عنها جابوتنسكي ليست قوة يهودية بالحصر، بل "القوة العسكرية لدولة أجنبية مثل بريطانيا".
تبنى قادة اسرائيل هذه العقيدة، كما ارتكزت عليها عقيدة الصهيوني البولندي دافيد بن غوريون الامنية سنوات الخمسينات والستينات واضاف عليها اساليب الحيلة والخدعة، رغم ان بن غوريون اعتبر جابوتنسكي خصما له . وبناء عليه خاضت اسرائيل حروبها ضد الجيوش العربية لاجبارهم على التخلي عن طموحاتهم الحربية تحت شعار الحروب لا تنتهي بالنية الحسنة بل بالنصر. ومع تاسيس الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ اصبحت الولايات المتحدة الامريكية (وهي اول من اعترف به والداعم الاكبر له بالمال والسلاح ) حليفا استراتيجيا ترجمته على ارض الواقع بدعم اسرائيل في العدوان الثلاثي سنة ١٩٥٦، وعدوان ١٩٦٧، و١٩٧٣، ١٩٨٢ كما تؤيد كل خطواته بما فيه عدم الاعتراف بدولة فلسطينية.
وتوالت الحملات و الخطط العسكرية المرتكزة على عقيدة جابوتنسكي ومنها حملة تكسير العظام وكاسر الامواج وحملة جز العشب و خطة جدعون لرئيس هيئة الاركان الاسرائيلي السابق غازي ايزنكوت، وخطة تنوفا لآفيف كوخافي، و خطة معالوت لرئيس الاركان الحالي هيرتسي هاليفي التي تنص على التفوق امام الاعداء عبر امتلاك أسلحة ووسائل قتالية حديثة، والتسلق خطوة بخطوة الى مرتفعات جديدة وبنودها اربعة: الاول الاعتناء بالافراد والجيش ثم ايران وتعدد الجبهات ثم المناورة والدفاع عن الحدود ورابعها تحسين الثقافة العسكرية والتنظيمية.
تسابق الكل الصهيوني على من يقتل من الفلسطينيين أكثر ويرتكب أفظع المجازر والجرائم، واستخدموا قدراتهم التدميرية ومعها القدرات الامريكية من معدات حربية، وادت الى ارتقاء أكثر من ١٠٠ ألف شهيد منذ النكبة عام ١٩٤٨. ما زالت اسرائيل تحتجز المئات من جثامينهم في مقابر الأرقام والثلاجات الإسرائيلية.
وتفيد المعطيات بأن الحركة الأسيرة  قدمت ٢٣٣ شهيدا بينهم ٧٩ استشهدوا تحت التعذيب الإسرائيلي، و ٧٤ ارتقوا بسبب الإهمال الطبي المتعمد، و ٧ تم اغتيالهم بالرصاص الحي المباشر. ومع كل هذه التضحيات ورغم كل الفظائع صمد الشعب الفلسطيني على أرضه وتفانى بالدفاع عنها وعن نفسه، وتطورت مقاومته ورسخت واقع جديد لا تستطيع اسرائيل انكاره او تجاهله وهو ان لكل عدوان ثمن والالم يقابله ألم، ويؤكد الشعب الفلسطيني دائما على عزمه على الصمود والتصدي بامكانياته المتواضعة مهما بلغت التضحيات وهو ما أفشل عقيدة جابوتنسكي وجداره الحديدي وافرازاتها من خطط عسكرية وقتالية، وبرزت بالمقابل خطط عسكرية وقتالية عفوية ردا على جرائمهم ورغم تواضعها لكنها ابداعية وموجعة وتفي بالغرض نذكر منها على سبيل المثال مذكرة احتجاج وجهاء القدس على الهجرة اليهودية قدمت للصدر الاعظم في الاستانة عام 1891 يطالبونه بالتدخل لمنع الهجرة، تبعها الهجوم المسلح لاهالي قرية الخضيرة وملبس "بتاح تكفا" على المستوطنات اليهودية الناشئة،. وبعد صدور وعد بلفور عام 1917 والذي تعهدت فيه الحكومة البريطانية بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، انطلقت على اثر ذلك ثورة بدأت من القدس عام ١٩٢٠، وفي عام ١٩٢٩ انطلقت ثورة اخرى لحماية المسجد الاقصى من اقتحامات الصهاينة، وفي عام ١٩٣٥ برزت خلايا عز الدين القسام والكف الاخضر المسلحة، ثم جاءت حرب الجيوش العربية عام ١٩٤٨ وانطلاق الثورة الفلسطينية والعمليات الفدائية من الحدود عام ١٩٦٥ ولغم السموع عام ١٩٦٦ وحرب الجيوش العربية عام ١٩٦٧ ومعركة الكرامة ١٩٦٨ واجتياح الليطاني عام ١٩٧٨و حصار بيروت عام ١٩٨٢ لاخراج المقاومة الفلسطينية، ثم الانتفاضتين الاولى والثانية وبينهما هبة النفق داخل فلسطين المحتلة ومواجهات القدس والمرابطين في المسجد الاقصى، وحروب غزة،(٢٠٠٨-٢٠٢٣) وكل ما صعدت اسرائيل من اعتداءاتها اتخذت المقاومة أشكالاً أكثر شمولاً وأكثر عنفا وتنوعت مظاهر المقاومة الفلسطينية، والعمليات الفردية في عمق فلسطين المحتلة وتشكلت كتائب المقاومة من جيل الشباب، وتوحد الشعب الفلسطيني في خندق المقاومة كما ترسخت عنده القناعة المطلقة بالقدرة على مواصلة التصدي للمشاريع الصهيونية وهزيمة اسرائيل وانها مسألة وقت.
بالمقابل فالمجتمع الاسرائيلي في حالة قلق على مصيره وعدم ثقة بقدرات جيشه والخلافات الداخلية تهدد بتفكك نسيجهم الاجتماعي والذي يمكن ان يؤدي الى حرب أهلية.
خلاصة القول عقيدة جابوتنسكي فانية وعقيدة الفلسطيني باقية.

اخر الأخبار