من صدق أوسلو.. يحصد تبدد حلم الدولة

تابعنا على:   11:11 2023-09-14

سليم يونس الزريعي

أمد/ نشرت وكالة الأنباء الفرنسية(أ ف ب) استطلاعا حول مرور ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو خلاصته أن حلم الدولة لدى سكان قطاع غزة قد تبدّد. إن مشكلة هذه الشريحة من الناس أنها ربطت حلم الدولة باتفاق أوسلو، في حين أن حلم الدولة يبقى قائما ما بقي الشعب الفلسطيني متمسكا بحقوقه الثابتة ومشروعه الكفاحي بكل مفرداته على طريق الهدف النهائي التحرير الكامل والعودة.
لكن أساس الوهم الذي سوقت له قيادة منظمة التحرير وحاملها الحزبي(فتح) وأصحاب المصلحة من القوى السياسية الهامشية، بدأ عندما جري التنظير السياسي والفكري للنضال السياسي عوض حقبة مشروع الكفاح المسلح الفلسطيني بكل تنوعاته، بعد الخروج من بيروت، وهو التنظير الذي أصبح جزءا من حالة الحشو الذهني بمُكنة انتزاع حل سياسي من الكيان عبر المفاوضات، مما جعل البعض يرى في أوسلو إنجازا سيحقق له حلم الدولة، كرما من الكيان الصهيوني مقابل مقايضة الاعتراف بالنكبة بأنها حرب تحرير يهودية والتنازل عن 78% من مساحة فلسطين.
وربما كان لصدمة أوسلو ضمن ثقافة النضال السياسي، التي جري التنظير لها بعد تشتيت قوات الثورة بعد احتلال بيروت، أن جعلت فريفا واسعا من بنية فتح الحزبية وأنصارها وأصحاب المصالح المرتبطين ماديا أو معنويا مع فتح التي هي موضوعيا منظمة التحرير الفلسطينية، يعيش حالة وهم بأن أوسلو سيحقق له الدولة وأن غزة ستصبح سنغافورة، مع أن هناك قطاع واسع من الفلسطينيين والقوى السياسية قد وصَّفت منذ البدء أوسلو بأنه نكبة ثانية، وأنه لن يحقق الحد الأدنى من برنامج منظمة التحرير الذي تمخض عن المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 وشهد إعلان الدولة ضمن برنامج كفاحي متفق عليه.
وربما كان لحالة الشحن والتضليل الإعلامي والمصالح الشخصية والحزبية دورا أساسيا في توطن الوهم لدي هؤلاء بأن أوسلو كان خيارا وطنيا وأنه سيحقق لهم الدولة، مما غطى في ضوضاء الشحن النفسي والعاطفي من أطراف أوسلو بآلتهم الإعلامية والدعائية عبر نشر وعي مشوه ومزيف بات لدى البعض حالة مرضية ، حتى أنه ما يزال يصدق خرافة المفاوضات التي ستحقق له الدولة، في حين أن أوسلو لدى الكيان لم يكن في أي وقت من الأوقات اتفاق لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما كشفه محضر مجلس وزراء الكيان الصهيوني الذي صادق على الاتفاق، ولعلي هنا أذكر بمقالي الذي اعتبر أن أوسلو نكبة وخيانة لآمال وتضحيات الشعب الفلسطيني نشر كمانشيت رئيس لإحدى الصحف في ليبيا في سبتمبر 1993. في مواجهة كثافة دعاية أطراف أوسلو في سياق كي الوعي العربي والفلسطيني.
ومع أن هناك فرقا بين إعلان الدولة وتجسيدها في الواقع ، إلا أن المشكلة هي في ذلك الذهن الذي صدق تلك الكذبة، بأن صور له وهمه أن هناك حلا سياسيا وأن أصحاب أوسلو أقوياء بما يكفي لفرض ذلك على العدو، وبدل أن يستفيق فريق أوسلو من حالة انعدام الوزن استمر يسوق الوهم حتى الآن، دون أن يتعظ من نتائج نكبة أوسلو وما جرته على الشعب الفلسطيني من ويلات.
ويأتي في سياق استمرار حالة الوهم لدى الفريق المهيمن على منظمة التحرير، طلب فريق من السلطة يصم: رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، وحسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما التقى بمستشار الأمن القومي السعودي مساعد العيبان ومبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، بيرت ماكغورك، في الرياض، إدخال القضية الفلسطينية ضمن صفقة التطبيع السعودية مع الكيان الصهيونية بأن "يكون استئناف المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث توقفت في عهد وزير الخارجية آنذاك جون كيري في عام 2014"، كورقة مقايضة في يد المفاوض السعودي.
ولا شك أن مثل هذه القيادة التي تتجاهل أن أوسلو كان ربحا صافيا للكيان الصهيوني مما جعل منه مشروعا إسرائيليا لا تتحلى بالمسؤولية، وهي منفصلة عن الواقع، ليكون السؤال لماذا تصر هذه السلطة على استمرار التمسك بأوسلو؟ مع أن كتاب صهاينة مثل "دعون ليفي" اعتبر في صحيفة يديعوت أحرونوت أن أوسلو"كان إنجازاً متواصلاً لكيان الاحتلال". فيما يقول سيفر بلوتسكر في صحيفة هآرتس، أنه "بفضل أوسلو" ارتفع عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل من 110 في 1993 إلى 166 اليوم؛ حيث ارتفع 88 في المئة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بإسرائيل، مقابل 60 في المئة فقط قبل "أوسلو".
كما ارتفع عدد المستوطنين في أراضي الضفة الغربية من 115 ألفا إلى 485 ألفاً؛ أي 4.2 ضعف . كما ارتفع نصيب جمهور المستوطنين في عموم سكان إسرائيل من 2 في المئة إلى 5 في المئة منهم.
إن خيبة أمل بعض سكان غزة من أن أوسلو لم يحقق لهم حلم الدولة، تعود إلى أنهم بنوا أحلامهم على جملة أكاذيب روجت لاتفاق أوسلو بأنه سيحقق لهم الدولة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي ، وهي أوهام يتحمل مسؤوليتها من أبرم الاتفاق النكبة ومن صدق تلك الكذبة، ذلك أن التجربة الإنسانية تخبرنا أن انتزاع الدولة هو فعل كفاحي تحدده شروط كفاحية ضمن ميزان قوى يمكِّن من فرض تلك الحقوق قسرا لا كرما من جانب العدو.

اخر الأخبار