المحاصصات ليست أولوية .. والمقاومة ليست ورقة

تابعنا على:   20:13 2023-07-20

صالح عوض

أمد/ في جنين بعد غزة تبرز الأزمة الفلسطينية الداخلية الفتاكة والتي تفسرعدم المحافظة على الخطوة الاولى: نقاوم فبدل أن نكرس المقاومة وثقافتها وأدواتها نرتد على أعقابنا بحثا عن المكتسبات الحزبية فنسقط جميعا.. زبزبوا قبل أن يحصرموا.. هكذا رد الإمام أبو حنيفة على بعض المتعيلمين الذين قفزت بهم أهواؤهم الى مواقع الفقه!! وهو السلوك نفسه عندما يفقد البعض إدراك موقعه وزمانه ومكانه يصبح كالبهلوان، ويصبح كذلك عرضة للسقوط في مغبّات الأوهام والمكائد، حيث يدرك العدو جيدا مواطن الاختراق.. فهل يعقل أن ينشغل العقل القيادي في الساحة الفلسطينية بمحاصصات ومكاسب فيما كل فلسطين محتل والقدس يستباح والأرض تستوطن والشباب يتجندلون سربا خلف سرب.. والبيوت تهدم، والحصار خلف الحصار، والحواجز بين القرى والمدن والمخيمات.. أي منطق يقف خلف هذا الخطاب الخارج عن سياق كفاح شعبنا وبعيد عن أرض المعركة الحقيقية..؟

السلطة وحماس من غزة الى جنين:

حكاية حماس مع فتح قديمة لم تولد بعد أعقاب اتفاقية أوسلو بل تمتد الى بداية الثمانينات عندما كان الصراع عنيفا وحادا في الجامعات في غزة الجامعة الاسلامية ونابلس جامعة النجاح.. ولقد تحركت حماس بمسمياتها السابقة منذ البداية الى فكرة التمثيل للفلسطينيين في النقابات او الهيئات السياسية وخاضت مفاوضات مكوكية مع الراحل ياسر عرفات قبل عودته للوطن واقترحت نسبا معينة لدخولها المجلس الوطني ومؤسساته.. ولم تقبل حركة فتح النسبة المقترحة من حماس وظلت حماس في حراك مستمر داخلي وخارجي لانتزاع الموقع المرغوب.. الا ان عودة قيادة فتح الى غزة ومدن الضفة بالسلطة وبناء مؤسساتها في معزل عن حماس فرض حالة صراع خفي وعلني فعلت حماس جهدا لافشال مشروع السلطة السياسي من خلال فرض حالة اشتباك مستمر اثناء تسلم السلطة مواقع جديدة ومدنا وقرى الامر الذي اربك السلطة وادخلها في احتدام داخلي مع حركة حماس بملاحقة عناصرها وقياداتها والزج بهم في السجون ولم يخل الامر من افراط في سوء التعامل مع كوادر حركة حماس في مراكز الاعتقال لاسيما في جهاز الامن الوقائي الذي أسس لحماية اتفاق اوسلو..

ظل الاشتباك السمة الاساسية للعلاقة بين حماس والسلطة حتى نهاية التسعينات ولايمكن اغفال الدور الاقليمي في ذلك حيث كان كثير من الاطراف الاقليمية تسعى للضغط على السلطة.. استمر التنازع بين الطرفين حتى الاعلان عمليا عن فشل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في منتجع كامب ديفد سنة 2000 وعودة ياسر عرفات من المفاوضات المرهقة بيقين ان لا جدوى في المفاوضات برعاية امريكا المنحازة تماما للعدو الصهيويني وان المفاوضات لم تكن الا لايجاد حفلة توقيع على ضياع حقوق شعبنا المقدسة حينذاك اعلن الرئيس الامريكي ان ياسر عرفات غير ناضج للسلام وهنا استنفر الاقليم ضد ياسر عرفات واعتبروه قد خرج من الملعب السياسي.. وفي خطوة مدروسة لتدمير السلطة الفلسطينية اقدم شارون على اقتحام الاقصى بتغطية من حكومة براك حينها اطلق الشعب الفلسطيني انتفاضة الاقصى بقيادة ياسرعرفات الذي منحها كل جهده ومشاعره وتصميمه انها معركة فرض الذات الفلسطينية وان الفلسطينيين الذين قبلوا التسوية لم يقبلوها بأي ثمن ولذا فانهم جاهزون لاستئناف الكفاح بكل وسائله .. وهكذا فجأة اكتشف العدو انه امام سلطة وجيش تحرير واجهزة امنية وتنظيم مستعد تماما للمواجهات المسلحة في نابلس والخليل ورفح والمعسكرات الوسطى وغزة.. وكانت سنوات من المواجهة العنيفة بين اجهزة امن العدو والمقاومة الفلسطينية التي تفردت فتح والسلطة بقيادتها طيلة الاشهر الاولى ولقد وجدت القيادة الصهيونية ومن خلفها فرصة تاريخية لتدمير كل ما انجزه ياسر عرفات من مؤسسات وبالفعل وجهت القوات الصهيونية ضربات مركزة لكل مقرات السلطة وقواتها واجتاحت مواطن السلطة واقتحمت المدن والقرى وحاصرت ياسر عرفات وفي النهاية دست له السم عن طريق متعاونين فلسطينيين رأوا في وجوده تعطيلا للعلاقة مع اسرائيل..

هنا كانت حماس قد دفعت بكل ثقلها في المواجهات التي بلغت مداها قبيل الانتخابات التشريعية وكانت حماس تنتظر ذلك بشغف لتدخل بوابة"لعبة اوسلو" من اوسع ابوابها.. كانت حماس تعد نفسها ليس للمواجهة انما لقطف ثمارها وما المواجهة في استراتيجية حماس الا لتمكين موقعها في الداخل الفلسطيني ولازاحة المنافسين او تحجيمهم وهكذا بالفعل مباشرة بعد المواجهات العنيفة جاءت مرحلة الانتخابات التي دخلتها فتح المهلهلة جراء الضربات العنيفة التي تلقتها في الانتفاضة الثانية وجراء تفسخات تنظيمية وبروز تشعبات داخلها الامر الذي جعلها تدخل الانتخابات مشتتة بقوائم عديدة متناحرة احيانا ورغم ان الشعب اعطى فتح اعلى الاصوات الا ان تشتت الاصوات افقدها الحصول على الاغلبية في المجلس التشريعي فكانت الفرضة التاريخية لحماس ان تمتلك قيادة التشريعي وتشكل حكومة حمساوية لتبدأ الصراعات العنيفة مع فتح واجهزة السلطة.. كانت نتائج الانتخابات هي تتويج لمواجهات بدأت من الجامعة الاسلامية في بداية الثمانينات وكانت بداية انتهاء المشروع الوطني الفلسطيني وبداية مشروع حماس الذي يصرح بان فلسطين تحصيل حاصل وانها جاهزة للتفاوض والهدنة عشرات السنين في انتظار تحولات اقليمية ودولية بنجاح التنظيم الدولي للاخوان او انتصارات ايران في المنطقة "وان كان هذا ليس له نصيب كبير من الاهمية"..

رغم ان الحكومة كانت بقيادة حماس وتسمى حكومة وحدة وطنية تم التفاهم عليها بعد القسم على ان لايمس الدم الفلسطيني في حضرة الكعبة المشرفة.. رغم ذلك انقلبت قوى حماس وجهاز القوى التنفيذية التابع لوزارة الداخلية على مؤسسات السلطة وحصلت مجزرة ذهب ضحيتها مئات الاف القتلى والمقطعة ارجلهم.. والسيطرة على كل مؤسسات السلطة بما فيها مقر الرئيس والمطار وكل ماله علاقة بالسلطة..

انتهى درس غزة بان سيطرة حماس على قطاع غزة وتفرض عليه قوانينها وتحوله الى حالة يصعب وصفها من الضيق والعنت والحصار وقد اصبح حالة انسانية تتلقى المساعدات من المحسنين والمتصدقين من جمعيات خيرية ودول تمرر مساعداتها المالية عن طريق جهاز المخابرات الاسرائيلية.

ادركت قيادة فتح التي تركت غزة لمصيرها المجهول انه من غير الممكن ترك فرصة لحماس اعادة السيناريو في الضفة ومن هنا بدأ سلوك جديد امني وسياسي في الضفة بحيث اصبح واضحا ان اداء السلطة السياسي والاداري محل سخط ونقد من قبل قطاعات الشعب بعد ان وجهت اسرائيل اهانات متتالية للسلطة واصرت على تحويلها الى شريك امني وتابع اقتصادي.. فاصبح حضور السلطة في وجدان الشعب في الضفة الغربية- حسب استطلاعات للراي محايدة- متدنيا ومتراجعا في ظل اعتداءات المستوطنين وقوات جيش الاحتلال الاسرائيلي واقتحامات المسجد الاقصى فيما تواصل السلطة التنسيق الامني مع اجهزة العدو..

من هنا تحركت السلطة بكل قياداتها الرئيس ورئيس الوراء وقيادات اللجنة المركزية نحو جنين ليس كما قال البعض لكي تستولي على عشرات ملايين الدولارات التي تتبرع بها الجزائر وقطر بل لتؤكد ان السلطة واحدة وان القانون واحد وان من يحاول المساس بذلك ستقطع يده من اساسها ولك لاستشعار السلطة بخطورة ان تكون الاح

اث في الضفة مقدمة لما حصل سابقا في غزة.. وانطلقت اجهزة امن السلطة في الضفة تلاحق كل من تعتقد انه يمكن ان يفجر الاوضاع ويشيع الفوضى في مناطق السلطة او من يحاول صناعة مواقع قوة في المناطق المدارة من قبل السلطة وهذا يعني اننا نعود للمربع الاول مربع الجامعة الاسلامية.

السلطة وحماس الخطأ الاستراتيجي:

لقد انتهت السلطة الى معاركة الوهم في امكانية انتزاع بعض الحقوق من خلال ابداء مزيد من " الايجابية" في التعامل مع العدو الصهيوني من خلال تنسيق أمني أو عدم الدعوة لمواجهات عنفية معه بل وربما لجم المقاومة و تتبعها وشل فعاليتها في كثير من الاحيان.. ورغم ان السلطة قد اختارت منذ عشرين سنة خيارا وحيدا وهو المفاوضات ثم المفاوضات فيما كانت قيادتها تعد الشعب الفلسطيني انه في حال ركزت الخيار على هذا النهج فانها ستحقق دولة في الضفة وغزة خلال ستة اشهر.. الا ان النتائج كارثية فلقد فقدت السلطة سلطتها على دفعات وانتهى الامر بانها لم تعد تستطيع السيادة على محيط مقاطعة رام الله فيما يتعرض الشعب الفلسطيني في كل مكان لواحدة من اشرس مراحل الهجوم الاستيطاني على الارض والارواح والمقدسات.. ولا تحمل الايام الجديدة الا مزيدا من السراب واللهاث خلف أوهام تتبخر ولا يبقى في الواقع الا تغول صهيوني ممنهج.

أما حماس فبعد ان حولت قطاع غزة رهيبنة لطائرات العدو وقصفه باعتى مافي الترسانة الصهيونية من سلاح وبعد ان اوحت للعالم كله ان قطاع غزة مسلح بردع استراتيجي وان فيه جيوش واجهزة ووله حدود محمية قد عرضت قطاع غزة الى مجازر متكررة دونما تحقيق أي هدف وطني.. وهنا كان لابد من دخول الهدنات المتتالية الى درجة ترك الجهاد وحيدا يقاتل ويتلقى الضربات القاسية ويفقد قادته العسكريين دونما تدخل بل بالضغط من اجل هدنة وايقاف العمل المسلح..

تعتقد حماس انه من خلال استعراضها لقوتها المفروضة على قطاع غزة ومن خلال قدرتها على ضبط الامور في القطاع ستستطيع اقناع الاطراف الدولية والمحلية بانها أهل لاستخلاف السلطة وانها بهذا تكون قد حققت شروط وجودها السياسي..

وبالمناسبة لايخفي كثير من قادة الصهاينة تلويحهم بهذه الاستنتاجات اما صادقين او مضللين لكي يثيروا مزيدا من الشكوك داخل الساحة الفلسطينية بين قوى متوجسة من بعضها البعض وكل منها مستعد للذهاب عميقا لكي لا يترك فرصة للطرف الاخر بالسيطرة..

لقد تجمدت جبهة غزة لصالح تجربة الحكم المتعثرة المرهقة ودخلت في هدنة ان لم تكن بتفاهمات فمن خلال الامر الواقع.. وهكذا يتم اخراج غزة من ساحة الصراع وعلى احسن احتمال في انتظار المعركة الفاصلة التي يعلنها محور المقاومة " المنهك في سورية والعراق واليمن ولبنان" بقيادة ايران المحاصرة المنهكة بعقوبات وتردي اقتصادها ومعيشة اهلها..

هكذا تصبح السلطة وحماس في تربص لبعضهما البعض يذكرونا بحروب ملوك الطوائف بالاندلس والنتيجة معروفة لكل من يعرف دروس التاريخ ولن يحقق اي منهما اي انجاز حقيقي في اتجاه استرداد حقوقنا الوطنية بل سيستمر النزف في الوطنية الفلسطينية لنتحول مع الطرفين الى ضمانات للامن الاسرائيلي بدون اي مقابل سياسي.. ومن هنا يجب اعادة قراءة العقل السياسي الفلسطيني والحسم نهائيا في المسلمات الخاطئة.. ففلسطين لها طريق واحد انه الكفاح وهذه ليست مرحلة المحاصصات انها مرحلة تأدية الواجب وليست مرحلة البحث عن حقوق الافراد والجماعات.

كلمات دلالية

اخر الأخبار