السودان وحرب الأجندات الخارجية

تابعنا على:   20:10 2023-04-22

جلال نشوان

أمد/ يكاد المرء أن يفقد صوابه ، عندما يتنامى إلى مسامعه أن الولايات المتحدة الأمريكية تطلب من قادة الكيان الغاصب بالتوسط لدى عسكر السودان بتثبيت التهدئة وعودة الحكم المدني وهنا نتساءل :

هل وصلت الإمور إلى هذا الحد من الانحطاط والرذيلة ؟

القوى السياسية و المدنية و الوسطاء العرب و الدوليين و بالطبع الراي العام السوداني يبذلون جهوداً مكثفة لدى البرهان وحميدتي لإيقاف الحرب

وفي الحقيقة:

ان اعضاء المكون العسكري لمجلس السيادة و القادة العسكريين الحاليين لن يستجيبوا او يلتزموا باي وقف لاطلاق النار حتى و لو لساعتين يتم فيها اجلاء العالقين و المرضى و الجرحى و دفن الموتى لساعات فقط يستجلب فيها سكان العاصمة الماء ليشربوا من النهر حقيقة لا مجازا لن يستجيبوا..

اذن.. لماذا الاصرار على الاعتراف بهؤلاء المتمردين المتوحشين المتحكمين في المشهد السوداني ؟!!!!

إن قراء المشهد على الساحة السودانية ، عجزوا أن يقدموا حلاً لهذه الأحجية التي تحتاج من جهابذة السياسة أن يفككوا طلاسمها

ويبدو أن العلاقة بين عسكر السودان وقادة الكيان الغاصب وصلت إلى مرحلة الغرام السياسي وتبادل المصالح ومن ساهم في وصول هذه العلاقة الي هذه المرحلة ، مشايخ الإمارات ، حيث أقدم الفريق البرهان على الإنقلاب على حكومة حمدوك ، لأن الأخير ، لايحبذ التطبيع مع الكيان في هذا الوقت ، لانه حكومته حكومة انتقالية والتطبيع مع الكيان ليس من صلاحياته ، إما البرهان شيخ المطبعين في السودان ، فإنه يرى أن التطبيع مع الكيان ، يجب أن يتم وبسرعة

الغريب في الأمر والمثير للسخرية أن الولايات المتحدة الأمريكية ، في عهد ترامب قدمت أربعة مليارات للبرهان ثمناً للتطبيع مع الكيان

وأن الطلب الذي وجهته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكيان الغاصب لمساعدتها، واستخدام علاقاتها الجيدة مع قائد الجيش السوداني، المطبع عبد الفتاح البرهان، قائد الانقلاب العسكري أخيرا، لإقناعه بإعادة الحكومة المدنية إلى سدة الحكم،

أمر مثير للاستغراب، ويطرح علامات استفهام كبيرة بشأن قدرة الإدارة الأميركية الحالية على مواجهة أزمات المنطقة وإدارة ملفاتها الشائكة.

قد يكون تنديد الإدارة الأميركية بالانقلاب العسكري، وإعلانها وقف المساعدات المالية للسودان، نتيجة مواقف مبدئية لهذه الإدارة الديمقراطية ضد الانقلابات العسكرية

إجمالاً ...توجّهت الإدارة الأميركية بطلب مماثل إلى دول أخرى أيضاَ، وهذا يبدو منطقياً، نظراً إلى علاقات الجوار بين السودان وتلك الدول وهنا يداهمنا السؤال الأكثر إلحاحاً :

هل يملك إلكيان الغاصب قدرة على التأثير فعلاً في العسكر الذين يحكمون السودان اليوم؟

اللافت للنظر أن قادة الكيان الغاصب لم يسارعوا بإدانة الحرب الدائرة حالياً مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، وهنا يدل دلالة بما البدع مجالاً للشك أن سياسة التكتم الشديد بشأن أي تورّط لها فيه.

وهنا يجب التوقف أمام أمرين في غاية الأهمية :

الزيارة السرّية التي قام بها وفد عسكري سوداني إلى إلكيان الغاصب برئاسة قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، برفقة مدير الصناعات الدفاعية، أي قبل التمرد العسكري الذي قام به حميدتي وكذلك قيام وفد صهيوني ، بزيارة سرّية إلى السودان

. وهذا يؤكد على الدور النشط الذي يقوم به الكيان في هذا البلد الشقيق

ليس خافياً أن إطاحة البرهان الحكومة المدنية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك في مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب، نظراً للاختلاف في وجهات النظر بينهما من مسألة تطبيع العلاقات مع دولة الإحتلال، فبينما يؤيد البرهان توقيع اتفاقات التطبيع فوراً، كان حمدوك يرى أنه ليس من صلاحيات حكومة موقتة التوقيع على مثل هذه الاتفاقات، ويجب انتظار انتخاب حكومة جديدة للموافقة على هذه الخطوة. ولكن عوامل عديدة أخرى تدفع المسؤولين الصهاينة إلى الحرص على علاقاتهم الجيدة مع العسكريين الذين يحكمون السودان اليوم، والتي تأتي بعد تاريخ طويل من العداء الشديد، فقد كان السودان، منذ إعلان استقلاله في ١٩٥٦ من بين أكثر الدول العربية عداء للكيان ، الذي ردّ على ذلك بدعم استقلال جنوب السودان، وأقام علاقات وثيقة عسكرية واستخباراتية مع جمهورية جنوب السودان. وخلال السنوات ٢٠٠٩ ، ٢٠١٥ أقام السودان علاقات وثيقة مع إيران، وتحوّل إلى ممرّ بحري لتهريب السلاح من دول ذات ثقل اقليمي إلى قوى في المنطقة ....

لكن ذلك كله تبدل في السنوات الأخيرة لحكم عمر البشير، ومع الانعطافة السياسية التي قام بها السودان، بتشجيع من دول إخرى وانتقاله من التحالف مع محاور اقليمية إلى محور الدول المعتدلة. في ٢٠١٥ ،

والجميع يعلم أن السودان انضم إلى قوات التحالف لقتال الحوثيين في اليمن.

السودان بالنسبة إلي الكيان الغاصب نموذج فريد للدول التي فكت تحالفها مع دول ذات ثقل اقليمي ...

ليس خافياً على أحد وجود مصالح كثيرة لهم في السودان ،

هناك الأهمية الاستراتيجية لموقع السودان على البحر الأحمر وحاجة إلكيان إلى السيطرة على طرق تهريب السلاح ، وإلى الدفاع عن حرية ملاحة سفنها هناك. تضاف إلى ذلك الأهمية الاقتصادية الكبيرة التي يقدمها السودان للشركات الصهيونية في مجالات المياه والطاقة والزراعة والتكنولوجيا. ، كما أن ( برهان السودان ) بذل جهوداً مضنية لتطبيع علاقات السودان مع الكيان الغاصب . وبهذا المعنى، هناك اختلاف في النظرة الصهيونية إلى التطبيع مع السودان عن النظرة إلى التطبيع مع دول الخليج، فدول الخليج تعتبر إيران تهديداً خطيراً على أمنها، بينما هذا ليس مطروحاً على السودان.

ومن هذا المنطلق ، يرغب قادة الكيان في المحافظة على إنجازاتهم في السودان، من خلال دعمهم الخفي للبرهان والمجلس العسكري، ولو تعارض ذلك مع الموقف المعلن لحليفتها الولايات المتحدة، ولو جاء ذلك على حساب الشعب السوداني ونضاله من أجل الديمقراطية وقيام حكومة مدنية.

حقاً :

الكثير من الحقائق التي تجعل المرء يفقد صوابه ويشعر أن العرب أكثر حرصاً من الكيان أكثر من حرصه على نفسه !!!!!!

المفارقة أن البرهان، الذي سعى إلى التطبيع مع الكيان الغاصب بواسطة الامارات للتقرب من الولايات المتحدة والحصول على دعمها، يجد نفسه اليوم في مواجهة مع حميدتي بينما تحول الكيان إلى وسيطاً بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية

إن مايحدث من( غرام وهيام التطبيع مع الكيان الغاصب ) يمثل رسالة إلى كل أحرار وشرفاء أمتنا ، بأن النظام السياسي العربي ، انزلق إلى الانحطاط والرذيلة ، وإن مايحدث هو انهيار لكل القيم العربية الأصيلة ، ومهما وصلت الأمور ، ستبزغ شمس الثورة العربية التي ستحدث هولاء المطبعين الذين باعوا شرف الأمة ، وسيأتي يوم يحاكم فيه البرهان وتاجر الابل حميدتي وأمثاله الذين إرتضوا المهانة والذلة والعار.

كلمات دلالية

اخر الأخبار