حتى لا نفاجأ بمواجهة الزلازل والكوارث

تابعنا على:   13:54 2023-02-11

تحسين يقين

أمد/ وقد استخدمنا ضمير المتكلمين الجمعي، لسبب بسيط أن الإنسان هو الإنسان، باعتبار، (أو على أمل) أن العالم وطن واحد، في ظل هذا القرب المتزايد لتطور كل أشكال التنقل والاتصال.

واليوم، فإنه بعد بضعة أيام من وقوع الكارثة في البلدين الجارين: سوريا وتركيا،  سنستطيع تقييم ما قامت به الحكومتان وحكومات العالم والشعوب في مواجهة الكارثة.

في ظل ذلك، فإن العبرة اليوم، ونحن نتحدث عن اتجاهات عالمية للتعاون والسلم، هو التنادي لتأسيس هيئة عالمية بكل معنى الكلمة، مهمتها تأسيس بيانات عن إمكانيات الدول، وتطويرها، ووضع ما لدى الدول من إمكانيات، من أجل تنظيم تقديم المساعدة وتسريعها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالدرجة الأولى سرعة إيواء الناجين وتطبيبهم.

كشف الزلزال إذن مدى تعاون العالم وجاهزيته، كما كشف حالنا نحن أبناء العروبة، وضرورة تعاوننا دوما. كما كشف ماذا تعني الدولة والحكومة، ونحن نرى إدارة الكارثة: الوسائل والأساليب.

لا يحتاج أحد، فردا كان أو شعبا أو عالما كبيرا، لكارثة طبيعية، حتى يصحو من أحلام الحرب! ولا يكاد الخبر يظهر كلمات وصورة، حتى تتوالى ردود فعل الدول لتقديم المساعدة الإنسانية، وهكذا فإن رد الفعل الدولي يذكرنا بأننا فعلا عالم واحد، يتضامن فيه البشر مع بعضهم بعضا.

إدارة التعامل مع الكارثة الطبيعية معروفة، تبدأ بالناجين أولا، إطعام وإيواء، في الوقت الذي تبدأ فيه عملية الإنقاذ لمن بقي حيا أكان ذلك في مبنى متصدع، أو تحت الركام.

ولأن الكوارث تتكرر، فقد صار معروفا لدى دول العالم، إجراءات التعامل للدولة المصابة، ولدول الجوار، والدول التي هبت للمساعدة.

من المعلوم إذن ما الذي تحتاجه الدولة المصابة، حسب درجة تأثير الكارثة الطبيعية، لذلك فإن المنظومة العالمية، دولا ومؤسسات، يمكنها في بضع ساعات عمل شيء أولي يبادر نحو المساعدة؛ فكل دولة أو ائتلاف دولي سياسي وعسكري وإنساني إقليمي وأممي، قادر على تحديد ما تود فعلا أن تقدمه، حتى لو كان عمال مهرة يستطيعون المساعدة في أعمال الإغاثة والإنقاذ.

ثم تبدأ عملية الفعل نفسه، على أن يتم ذلك بعمل لجنة صغيرة تنسق لها الدولة المصابة، لتعلم العالم بحاجاتها.

إن أكبر عمل ثقيل يتعلق بالآليات الثقيلة، التي ينبغي وصولها الى مكان الزلزال، في فترة لا تزيد عن 48 ساعة، لأن تلك الفترة أصلا، وبزيادة يوم، هي من تكون الحاسمة في الإنقاذ، لكن الأمور في سوريا وتركيا الآن تحتاج فترة أقصر من ذلك، بسبب الشتاء البارد والماطر والمثلج. ورغم ذلك، فربما يمنح الجو الرطب من هم تحت الأنقاض فترة حياة أكثر، ممن لو كان الزلزال في جو حار.

كان من المهم والمهم جدا وجود قوات الجيوش وآلياتها، وأية قوات شرطية أخرى تملك آليات وأجهزة، كون تلك القوات أصلا أكثر تنظيما وجاهزية وتدريبا؛ وهي تملك إمكانيات التنقل جوا وبحرا، وبرا بعد ذلك، حيث تعدّ الفترة الأولى مجالا لإنقاذ أعداد من الناس، وانتشال الموتى، من أجل تكريمهم في رحلتهم الأخيرة.

مراقبة الإنقاذ في سوريا وتركيا، تدل على التأخر للأسف، وهذا ما تتحمله الحكومات في الدولتين المصابتين وحكومات دول الجوار، كذلك حكومات الدول الكبرى التي لها قواعد عسكرية في المنطقة، ولبيحر الأبيض المتوسط القريب.

 دلت المراقبة للأسف تدل على تسييس إدارة الإنقاذ والإخلاء والإيواء والإغاثة؛ حيث أثّر الوضع السياسي في البلدين على تعاطي الدول معها، بمن فيها الدول العربية، في حين كان من الطبيعي التعامل مع الكارثة من منطلق الإمكانات المتوفرة.

الإنسان هو الإنسان بغض النظر عن أية عوامل تتعلق بالهوية، لذلك كنا نتوقع المساواة في الحديث والدعم حسب أمكان التضرر لا حسب التقسيم السياسي.

في ظل هذه الكارثة، تنشط للأسف اتجاهات تثير القلق، وتشتت العمل والتركيز، حيث راحت بعض المواقع تنشر معلومات غير مثبتة عن تفجيرات نووية، وكأن الزلازل أمر غير طبيعي، وكأن منطقة الانهدام الآسيوي-الإفريقي ليست من أهم المناطق المعرضة للزلازل!

هكذا، فكما الزلزال يكشف عن طبقات الأرض، وعما فوق الأرض من أبنية، فهو أيضا يكشف عن البشر، ناس عاديين وحكومات ونخب وتجمعات واتجاهات. لقد كان حريّا في هذه الوقت الطارئ جدا تأجيل كل ما يمكن أن يؤثر على المشاعر والعمل، من أجل تركيز الجهد انتصارا للحياة الإنسانية المقدسة.

كذلك، إنها فرصة كبرى الآن وليس بعد أسابيع، للعمل معا من خلال الحكومات ذات الصلة، من أجل إنقاذ سوريا، التي تعاني من آثار الفتنة التي أصيبت بها، وما تسبب من نزاع ولجوء للملايين، والذين جزء منهم قضوا تحت الأنقاض في الشمال السوري وجنوب تركيا، بعيدا عن بيوتهم.

حرب-نزاع عبثي فعلا، حصد كل ما هو أخضر، آن الأوان أن تستأنف عمليات البناء، وعودة اللاجئين السوريين الى وطنهم، من خلال استمرار الإغاثة للعائدين، حتى يتمكنوا من العودة الى الحياة في الوطن.

هي عظة وموعظة وعبرة مما حدث من زلزال الأرض، حيث تصبح الخلافات السياسية أمرا ثانويا، أمام ما يمكن أن يحدث من كوارث، لا تقتصر على بلد دون آخر. وهذا ما يوفّر الأموال التي تنفق على الحروب، لتنفق بدلا من ذلك على تسهيل توفير المواد الأساسية لحياة الشعوب.

الآن، وفي ظل هذا الموت الكبير، والجروح والإصابات، ثمة مجال للحياة الكبرى للقيم الإنسانية النبيلة، التي تجعل جهود الجميع متجهة نحو تضميد الجراح وتخفيف الأحزان.

سوريا وتركيا، وعلى اختلاف الممكنات الاقتصادية، بحاجة خلال أسابيع لا أشهر، إلى ورشة كبرى للإعمار من جديد، يقوم أولا على فحص الأبنية القائمة في محيط تأثير الموجات الزلزالية، لإزالة أي مبنى غير مؤهل للحياة، (في المال ولا بالعيال)، ثم إعادة البناء وفق خرائط تنظيم المدن، على أن يتم مراعاة معايير البناء في مناطق معرضة للزلازل.

في هذا الوقت، ومن خلال تأمل المباني المدمرة والمتضررة، ينبغي فحص عمليات البناء، وأذونات البناء، للتأكد من أن البناء كان وفق الأصول والمعايير، حيث يمكن أن يكون هناك فساد في الإدارة الهندسية التي تمنح رخص تأسيس البيوت والمؤسسات.

كذلك، وفي ظل الدعم الدولي المتوقع للإنقاذ وإعادة البناء، فإن هناك واجبا على الحكومتين والشعبين، في إعلان الموازنات لخمس سنوات قادمة موازنات طوارئ. كذلك تشجيع القطاع الخاص، وفرض ضرائب عامة، وتأسيس صناديق دعم للمتضررين، من أجل تسهيل تجاوز هذه المحنة.

"جبر الخواطر"، خصوصا للأطفال وكبار السن والنساء، يأتي من خلال مشاريع ونشاطات دعم إنساني معنوي، حيث يصبح المجتمع المتضامن أيا لمن فقد أباه، وأما لمن فقد أمه.

طرق الإنسانية واضحة سواء في استغلال العلم والتكنولوجيا ووفرة الأموال لدى آخرين، لدعم المتضررين. وهي طرق تأسيس السلام الدولي والإقليمي والوطني والاجتماعي والنفسي.

لا يمنع التعاون الدولي والإقليمي، من التئام العروبة، لمداواة الجروح، أكانت مذل هذه الكارثة، أو ما سبقها من كوارث من صنع يد الإنسان.

ولعلها قمة عربية، تحضرها جميع الدول العربية، تكون بداية جديدة للتضامن العربي، والتصالح، والتسامح، والتعاون، من أجل أن تكون جميع أقطارنا في سلام وأمان.

إن وقوف الدول العربية الآن عن حدود تحمل المسؤوليات القومية والوطنية، سيعني الكثير، باتجاه بناء الأمل حمايته من التزعزع أمام رياح الفتنة والفرقة؛ فإذا لم توحدنا الكوارث والآلام، فعلينا السلام.

الطريق واضح، والسير فيه بنبل سيجع أرواح من قضوا في الزلازل جميعا ترقد بسكينة وسلام، فأي فعل أكثر نبلا وقدسية من هذه الأفعال؟!

[email protected]

 

كلمات دلالية

اخر الأخبار