قاسم سليماني وفلسطين

تابعنا على:   14:12 2023-01-06

رامز مصطفى

أمد/ في الذكرى الثالثة على استشهاد المجاهد الكبير قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهم، الحديث يطول عن عطاءات ومآثر الشهيد الحاج قاسم سليماني، في وقوفه وانحيازه وتبنيه ودعمه للقضية الفلسطينية ومقاومتها. 

فمنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني رحمه الله وما حملته من مفاهيم ثورية من خلفية عقائدية في مواجهة قوى الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكي. أصبح هناك وعي وإدراك لأهمية ما حملته هذه الثورة المباركة من قيم ثورية وإنسانية وحضارية وثقافية، حمل رايتها الكثيرين من الخُلّص من أبناء الثورة الإسلامية، والشهيد الحاج قاسم سليماني كان يتقدم الصفوف في كافة الميادين والساحات.

عندما تسلّم الشهيد مهامه قائداً لفيلق القدس، يومها كان يرسمُ مسار المواجهة مع كيان الاحتلال، واضعاً أفكاراً وخيارات لتلك المواجهة أمام المقاومين الفلسطينيين. كان واثقًا أنّ القضية الفلسطينية ستصبح أكثر حضوراً من خلال مقاومة أبنائها، ومن خلال تمكنها من تطوير قدراتها وإمكاناتها لكي تصبح أقوى وأكثر فعالية. وبهدف نجاح تلك المواجهة، والتزاماً منه بقيّم الثورة الإسلامية وتعاليمها ومفاهيمها، جهِدّ الشهيد سليماني على تحقيق مسألتين، الأولى عدم التمييز بين مقاوم وآخر، وكل من يقاتل الكيان الصهيوني ويواجه الغطرسة الأمريكية وقف إلى جانبه ودعمه. والثانية العمل على توحيد قوى المقاومة وأدواتها.

 وبهذا المعنى فقد أزال الشهيد سليماني عوامل الفرقة والتفرقة من خلال تحقيق هدف واحد هو إزالة الكيان الصهيوني بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية والفكرية.

 لذلك جاءت نظرته للقضية الفلسطينية على مستوى الاستعداد لتقديم كل ما يلزم لمقاومتها. وكان يؤمن أن تحرير فلسطين ليس مسؤولية فلسطينية فقط، بل هي مسؤولية الأمتين العربية والإسلامية، وهذا ما كان يؤكد عليه في كل لقاء بأن "الفلسطينيين هم رأس الحربة"، وبعد ذلك فإن الأمة معنية بتحرير فلسطين، لأن هذا العدو يشكل خطراً على الأمة بأسرها.

بعد نجاح النموذج الذي تحقق في لبنان خلال حرب تموز 2006، حيث كان مستوى التكامل والانسجام بين الشهيد والمقاومة بقيادة حزب الله قد بلغّ أقصى مستوىً له، الأمر الذي أنتج انتصاراً وتحولاً تاريخياً في سياق الصراع ومقاومة كيان الاحتلال، ليُشكّل قطاع غزة بعد دحر العدو وانسحابه عام 2005، القاعدة المادية والإستراتيجية في تغيير مسارات المواجهة على طريق تغيير قواعد الاشتباك والردع والمعادلات فبدأ مشوار دعم المقاومة الفلسطينية بكل الطرق والوسائل متابعاً كل التفاصيل المتعلقة بتأمين كافة سبل صمود وانتصار المقاومة، ومن أجل ذلك وسلك رغم ما يترتب على ذلك من مخاطر وتحديات، البحار والمضائق والصحاري ليؤمن وصول الصواريخ إلى قطاع غزة المحاصر، ناهيك عن المشاركة السورية في إرسال الصواريخ والكورنيت.

 إلى أن اتُخذ القرار التاريخي والاستراتيجي من قبل الشهيد سليماني بأن تقوم المقاومة بتصنيع الصواريخ ومختلف الأسلحة بما فيها المُسيّرات، وبالتالي تأمين الوسائل الإعلامية والسيبرانية لمواجهة وسائل الإعلام الصهيونية المُضللة والكاذبة. ولإنجاح ذلك نُقلت الخبرات الإيرانية ومن دون أية تحفظات، مع تسهيل سورية بإجراء الاختبارات على أراضيها ومن دون أية تحفظات أيضاً. وحققت المقاومة الفلسطينية انتصاراتها بفضل الجهود المخلصة والمباركة للشهيد الكبير قاسم سليماني، وهذا ما أثبتته في حروب معركة الفرقان 2008 و2009، وحجارة سجيل 2012. والعصف المأكول 2014.

يقين الحاج قاسم سليماني أنّ الأسلوب الوحيد لتحرير فلسطين هو المقاومة، فهو لم يكن يؤمن أنّ المساومات والتسويات قد تجلب للفلسطينيين حقوقهم وتحقق تطلعاتهم. وحول ذلك سُئِل الشهيد، هل يمكن استعادة الفلسطينيين لفلسطين عبر انتهاج الدبلوماسية؟ فأجاب: "لتكن رسالتنا واضحة لكلّ أنظمة الذّل التي أحنت رؤوسها للاحتلال وانتهجت طريق التطبيع والاستسلام، أن لا طريق للحياة بعزّ واستعادة أرض فلسطين سوى بالمقاومة والصمود وتقديم التضحيات".

من يتمعن في مضامين رسالته للمقاومين في غزة خلال عدوان تموز 2014، والكلمة التي ألقاها في عام 2017 في قمة اليوم العالمي للمساجد، والتي قال فيها: - "نحن لا نساعد فلسطين من أجل الشيعة، ولا نعمل على الإطلاق مع أي شخص تفاخر على أنه شیعي، لأنّ 99 بالمائة من الشعب الفلسطيني هم من أهل السنة وحقهم علينا أن ندافع عنهم وعن قضيتهم".

 يتيقن أنّ الشهيد كان ايمانه عميقاً بأن لا وجود للأمة، بل للإنسانية جمعاء من دون فلسطين لأنها الحد الفاصل بين الحق والعدالة من جهة، والجور والباطل من جهة أخرى. ومما جاء في تلك الرسالة الفصل: "إنَّ فلسطين هي القلب النابض الذي يضخ الدماء في شرايين البشرية ليهب الإنسانية حياة جديدة في كل حين، وفلسطين هي من تهب العالم العنفوان، وتسقي بدماء أبنائها وأطفالها المظلومين سنابل الحرية والتحرر، فتهز الضمائر وتوقظ الشعوب من سباتها العميق. إنَّ فلسطين في هذا الزمن. وهي البركان الإلهي الذي لا يمكن اخماده إلاّ بدحر الغاصب المحتل. وإنَّ الشهادة على خط فلسطين وفي مسار القدس هي أمنية يتوق إليها كل مسلم شريف، لا بل إنّ أحرار الإنسانية يفخرون بهذا.

 في هذه اللحظة الهامة من تاريخ أمتنا، نقول ونوصي جميع الإخوة بتصويب البندقية والسلاح والدم والكرامة دفاعاً عن الإنسانية والإسلام الذي تختصره فلسطين.

في الذكرى الثالثة على الاغتيال الجبان، السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، هل تمّ للإدارة الأمريكية ما سعت إليه في دفع إيران إلى التراجع عن دعمها لقوى المقاومة وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية؟ المؤكد أنّ إيران أصبحت أكثر تصميماً على مواصلة ما عمل عليه الحاج قاسم، ومعركة سيف القدس 2021، ووحدة الساحات 2022، وما تشهده الضفة الغربية المحتلة اليوم من تنامي واتساع في رقعة المقاومة إنما أيضاً بفضل ما عمل عليه الشهيد سليماني، وهذا ما دعا إليه سماحة السيد الخامنئي في مطالبته بتسليح الضفة الغربية بشتى الطرق والوسائل، وحث من يلتقيهم من قادة الفصائل بضرورة تصعيد أعمال المقاومة في الضفة الفلسطينية المحتلة. والتقييم السنوي لشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال أواخر العام 2022، جاء ليُقر بأنّ إيران ستواصل دعم المقاومة في غزة والضفة وهذا ما لمسته القيادة جراء العمليات المتزايدة بالضفة. وبذلك خسرت كل أمريكا والكيان الصهيوني الرهان على أنّ غياب الشهيد سليماني عن مشهد الصراع وسيُنهي محور المقاومة.

ستبقى قضيتنا وأبنائها ومقاومتها تشهد للشهيد الكبير، ما أحدثه من تحول في مسار المواجهة مع العدو الصهيوني ردعاً وتغييراً في قواعد الاشتباك. وسيبقى القدوة والأنموذج الذي يُحتذى به لجميع مقاومي أبناء فلسطين وأمتنا. وكما قال فيه الإمام السيد علي الخامنئي "الآن في العالم الإسلامي، أينما ينوي محور المقاومة الوقوف في وجه الاستكبار العالمي، فإنّ قدوته واسمه الرمزي هو الشهيد سليماني"، الذي سيبقى منارة للأجيال القادمة، ورؤيته الإستراتيجية شعلة على درب تحرير فلسطين.

كلمات دلالية

اخر الأخبار