قوى الإسلام السياسي.. بين تداول السلطة واحتلال الدولة

تابعنا على:   08:46 2022-10-10

سليم يونس الزريعي

أمد/ طرحت تجربة حكم البشير في السودان وما جرى في تونس مؤخرا، وما سبق أن حدث في مصر مع تجربة الإخوان في الحكم وما فعلته حركة حماس الإخوانية في غزة بعد انقلابها الدموي الذي نفذته عام 2007 ، سؤالا مركزيا هو: لماذا تواجه حركات الإسلام السياسي هذا الانفصام وعدم القدرة على التكيف الطبيعي مع بنية الدول التي تقبض على رقبتها في لحظة تاريخية معينة، بصرف النظر عن طريقة هذا القبض؟
في تقديري أن ذلك ربما يعود إلى ازدواجية تعيشها تلك القوى وكشفتها تجاربها في السودان ومصر وفلسطين وتونس وفي تركيا كذلك، ولها علاقة بالتباين بين خطابها الشعبوي المعلن، وسلوكها السياسي في الممارسة عندما تمسك بمقاليد السلطة.
ذلك أن أي قوى أو أحزاب سياسية مهما كان لونها الفكري، من الطبيعي أن يكون الهدف الأساسي لها هو الوصول إلى الحكم، وفق برامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ضمن محددات الدولة القائمة التي ينظمها دستور وقوانين تلك الدول، وهي برامج واضحة ومعلنة، ولذلك تعمل هذه الأحزاب والقوى بكل إمكانياتها في سياق المنافسة السياسية والفكرية إلى الوصول إلى السلطة وفق آلية التداول السلمي لها، قياسا بتجارب دول مستقرة سبقتنا بعقود، وهو ما يجري في العديد من دول العالم.
لكن في حضور التقية وغياب النزاهة بمعناها الفكري والسياسي، هناك من القوى والأحزاب التي تعلن شيئا وتضمر شيئا آخر، لأن جوهر مشروعها يقول إنها لن تقف عن عند حدود تسلم الحكم فقط، ولكن تسلم الحكم هو بمثابة نقطة انطلاق نحو التمكين واحتلال الدولة، وصولا إلى جوهر مشروعها الأيديولوجي، حيث تبدأ عندئذ العمل وفق أجندتها الخفية غير المعلنة للسيطرة على الدولة، عبر إعادة تشكيلها- أي الدولة- وفق أفكارها الأيديولوجية غير المعلنة، ومثال ذلك ما حصل في تركيا عبر حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وذلك باحتلال الدولة في كل مفاصلها عبر التسرب إلى كل أجهزتها وفق سياسة التمكين لتحكم قبضتها عليها تماما.
في حين أن تلك القوى تقول إنها قوى ديمقراطية وتقبل بالآخر وفق برامجها المعلنة، لكن المشكلة هي في سياسات تلك القوى غير المعلنة، التي تغطيها بـ"سياسة التضليل" التي تمارس وبرداء أيديولوجي، مستغلة تعاطف جماهير واسعة معها كونها سوقت نفسها على أنها كانت ضحية، ما تسميها أنظمة الاستبداد، وهي الجماهير التي سرعان ما تكتشف أنها ضُللت باسم الدين ليكون رد هذه الجماهير عاملا مقررا في التصدي لتغول هذه القوى كما حدث في السودان ومصر وتونس بعد أن اكتشفت الجماهير أن تجربة هذه القوى في الحكم ليست أفضل من تجربة الأنظمة الاستبدادية السابقة، وأن هذه القوى وظفت الدين لتحقيق مصالحها الخاصة ضمن ثقافة الغنيمة كأحد تجليات مفهوم الغزو، التي تسعى تلك القوى من خلاله للسيطرة واحتلال الدولة كبنية ومؤسسات حكم.
ومن ثم فإن هذه القوى لها وجهان أحدهما هو واجهتها الإعلامية والسياسية تسوقه للكسب السياسي والشعبي، والآخر هو الوجه الحقيقي الذي يمثل بصمتها الإيديولوجية، وتظهير هذا الوجه ربما يتأخر حتى تُكمل تلك القوى عملية التمكين، وهو أمر سبق أن تحقق في السودان وغزة وفشل في مصر وربما هو على طريق الفشل في تونس، إذا نجح الرئيس التونسي واستمر توفر الحاضنة الشعبية، في تطويق تلك السياسيات ورد حالة التغلغل تلك، التي كانت قد قامت بها حركة النهضة الإسلامية منذ عام 2011 في بنية الدولة التونسية وشملت القضاء والمؤسسة الأمنية، وأشار لها الرئيس التونسي وقوي سياسية والصحافة التونسية.
وما كشفت عنه تجربة وصول أحزاب الإسلام السياسية للحكم أو مشاركتها فيه، أن تلك القوى فقدت ثقة الجماهير الشعبية بها، جراء سلوكها في الحكم، كون تلك القوى غلبت الولاء لها في إدارة شؤون السلطة على الكفاءة، بما يعنيه ذلك من وجود بيئة مناسبة للفساد وشراء الولاءات على حساب قيم العدالة والمساواة، مما شكل صدمة لدى الجماهير التي سبق أن أعطت صوتها لتلك القوى ولكنها خذلتها بامتياز.
مرارة التجربة مع قوى الإسلام السياسي لا يعني بحال الذهاب نحو نفي هذه القوى كونها موجودة في الواقع السياسي، والسؤال هو كيف تستعيد تلك القوى نفسها، من ذلك الطريق الذي أرادته عن وعي ومع سبق الإصرار وأثبتت التجربة بؤسه؟
ويمكن القول أن الكرة الآن هي في مرمى تلك القوى، التي عليها أن تدرك أنها ليست وكيلة الله في مجتمعات إسلامية، وإنما هي قوى سياسية مثل غيرها فهي ليست ربانية حسب توصيف حركة حماس لنفسها، ولذلك فإن عليها أن تعي الشرط التاريخي الذي تعيشه تلك الدول والشعوب في القرن الحادي والعشرين، بكل متطلباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عالم بات قرية صغيرة، وهذا يتطلب منها التكيف الإيجابي، أي بضرورة التغير وليس التلون؛ بأن يكون هذا التغيير في الجوهر، وليس في تغيير الاسم إذا ما أرادات أن تكون جزءا من الحالة السياسية في دولها؛ ولكن تحت سقف الدستور والقانون.
فهل تستوعب تلك القوى الدرس؟ .. ذلك هو السؤال.. والمستقبل كفيل بمنحنا الإجابة.

اخر الأخبار