التماسك الاجتماعي.. الخوذة التي تحمي من الفقر

تابعنا على:   11:03 2022-07-18

هنادي براهمة

أمد/ في عالمٍ متحولٍ وأقتصاد متغير هيكيلياً يؤثر على اللامساواة والفقر والتنمية في البلدان النامية، والوضع الاقتصادي المظلم الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، إلا انه ما زال هناك فرصة لخلق المزيد من الموارد من خلال الاستثمار بما يسمى " التماسك الاجتماعي" .
فالتماسك الاجتماعي هو قوة العلاقة ما بين الافراد فيما بينهم، وبين الافراد والمؤسسات المختلفة، سواءً لتحقيق مصالح قصيرة المدى او غايات بعيدة المدى، فالمجتمع الذي يتمتع بروابط قوية يميل للاستقرار والتنمية والقدرة على مواجهة الازمات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، تضآفر الجهود في خلق مستقبل أفضل للجميع بمشاركة المواطنين أنفسهم، فضعف التماسك الاجتماعي يعني ضعف البنية التحتية بالتالي احتمالية عالية للفساد وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
يُبنى التماسك الاجتماعي على قيم ثلاثة هي رأس المال الاجتماعي، الادماج، والحراك الاجتماعي، حيث يشير رأس المال الاجتماعي، الى الثقة لدى الناس والمؤسسات والشعور بالانتماء الى المجتمع كعنصر انتاج رئيسي، والادماج الاجتماعي هو المدى الذي يشارك فيه المواطنون بشكل متساويٍ في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أما الحراك الاجتماعي فيشير الى تكافؤ الفرص للجميع حتى يسيروا قٌدماً. فالاستثمار بالرأسمال الاجتماعي(أفراداً ومجموعات) يخلق موارد جديدة يتم استثمارها في مجال التنمية الاجتماعية الشاملة ذلك من خلال شمولية وتحسين خدمات الحماية الاجتماعية من رعاية صحية وتعليم وخدمات عامة للمواطنين، والإستثمار ايضاً يكون على شكل اعادة النظر في السياسات الاجتماعية والاقتصادية لضمان سماع صوت كافة المواطنين، وان جميع عناصر المجتمع المدنية منها والاهلية والقطاع الخاص مشاركين في هذا الاستثمار وبقوة.
يظن الكثيرون ان التماسك الاجتماعي هو الغاية، ولكن الى جانب ذلك هو ايضاً وسيلة للنمو، النمو الذي يعمل على محاربة الفقر باشكاله المختلفة، فالفقر تٌعد جهود محاربته مهمة صعبة ومعقدة بسبب الطاقة المطلوبة لمواجهة كافة الجوانب المتعلقة بالاسباب والآثار، ومهمة تتطلب مشاركة كل من المؤسسة الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وحتى المنظمات الدولية، في وقت لا يوجد فيه نمط موحد مصمم خصيصاً لمحاربته، فعلى الرغم من أهمية الجهود الرسمية المتمثلة ببرامج الحماية الاجتماعية التي تشمل توفير الخدمات الاساسية للأسر الفقيرة والمهمشة من تحويلات نقدية دورية، او قسائم الشراء للمواد الغذائية لتوفير الأمن الغذائي، التعليم الاساسي المجاني، بطاقة الخدمات الصحية، خلق فرص العمل للعاطلين عن العمل، التدريب المهني والتقني للفقراء والمتسربين، إضافة الى جهود الحكومة في مجال الانفاق الحكومي الاجتماعي على كُلٍ من البنية التحتية والتمكين الاقتصادي للأسر القادرة على ادارة مشاريع مُدرة للدخل التي توفر فرص لتلك الأسر حتى يعتمدوا على أنفسهم على المدى الطويل ليزيدوا من دخلهم و يملكوا الأصول ويحققوا الأمن الاقتصادي لهم، و ليساهموا في تحفيز الاقتصاد المحلي نتيجة تحسن ازضاعهم المادية، و منه النمو الحاصل على قدرتهم الشرائية وزيادة طلبهم للحصول على السلع والخدمات.
بالرغم مما ذكر من آليات وسياسات رسمية تُدار من قبل الحكومة في إطار نظام الحماية الاجتماعية، الى انه يتوجب التركيز على الآليات خارج هذا النظام التي تعزز الجهود الرسمية في خروج تلك الاسر الفقيرة والمهمشة من براثن الفقر، هذه الآليات ترتبط بشكل وثيق بحلول معالجة الفقر لا سيما بالنسبة لما يسمى" الفقراء العاملون" ، الذين لا تشملهم انظمة التأمين الصحي وانظمة الضمان الاجتماعي وغيرهم من الفئات الهشة ضحية الاستغلال والضعف البنيوي في هياكل السوق، والذين يحملون صفة الفقر غير المادي، والمعرضون للانزلاق في فجوة الفقر بأية لحظة.
دولياً هناك جهود تُبذل لتغيير مسار التماسك الاجتماعي، عبر حشد جهود المؤسسات الاهلية والمبادارت الاجتماعية لتبني استراتيجيات وطنية للتماسك الاجتماعي تُبنى على محاور العدالة،البيئة والاقتصاد والمجتمع، على اعتبار انه يجعل المجتمع بأسره يحيا حياة مترابطة ومتماسكة، و هذا الامر ليس بجديد ،حيث ظهر جلياً بالديانات السماوية، فالاسلام عالج مشكلة التفاوت الطبقي بين الناس حين دعى الى الانفاق على الفقراء والمحتاجين وحث الاغنياء على البذل والعطاء وشرح كم هي مشاعر الفرح التي سيشعر بها كُلٍ من الغني والفقير عند العطاء وتعزيز الشعور بالاهمية والغاء مشاعر الدونية لدى الفقراء، التكافل المؤدي الى التماسك الاجتماعي يعني ان يكون كافة افراد المجتمع مشاركون في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع الاضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد انه الى جانب حصوله على حقوقه، هناك واجبات عليه إتجاه الآخرين خاصة اولئك الذين لا يستطيعوا تحقيق حاجاتهم الخاصة و وصول المنافع والمساعدات لهم و انقاذهم من الفقر وما يرتبط به من ظواهر اجتماعية سلبية .
من مظاهر التماسك الاجتماعي، استغلال بعض الاثرياء ثرواتهم في مشروعات تتيح للفقراء فرص العمل، واموال الزكاة والوقف التي تعتبر منقذاً من براثن الجوع والحاجة، و لكن آن الآوان لهذه الاموال ان تؤدي دورها المنشود في القضاء على الفقر بحيث لا يتم توزيعها لتصرف على السلع الاستهلاكية فحسب،إنما أيضاً عندما يتم استثمار جزء منها لتطوير مصادر الدخل للفقراء وتوفير فرص العمل التي تمنع الفقير من السؤال و تضمن له العيش الكريم.
ومن أمثلة الاستثمار بالرأسمال الاجتماعي، في المجتمعات الريفية ذات الطبيعة الزراعية، ادارة المحافظ الريفية الزراعية بشكل مشترك لانتاج محاصيل زراعية نباتية وحيوانية باستخدام موارد عمالة الاسرة وبدعم من الاسرة والاقارب والعائلات للتغلب على الازمات، هذا النوع من العلاقات والآليات حيوي من حيث دوره في التغلب على المخاطر بشكل فردي او تبددها عن طريق راس المال الاجتماعي المحسن للفقراء في حال فشل الفرد في ذلك
(البنك الدولي).
فالاستثمار بالرأسمال الاجتماعي والادماج والحراك الاجتماعي يظهروا بشكل جلي بالآليات غير الرسمية وتعتبر جزءاً هاماً في شبكة الحماية الاجتماعية وتعمل عليها المؤسسات الأهلية والمدنية والجمعيات الخيرية وحتى الافراد فاعلي الخير، والمتطوعون في دعم التعليم الاساسي ومحاربة الأمية، توفير الحاجات الاساسية للفقراء والضعفاء، دعم مشاريع البنية التحتية والتركيز على مناطق تحتوي العدد الاكبر من الأسر الفقيرة نصيبها الحرمان وفرصها ضعيفة للحصول على المساعدات الاجتماعية، وتنفيذ مشاريع تهدف للتماسك الاجتماعي مثل نشر الوعي حول الحقوق، النزاهة، حل النزاعات، مناهضة العنف والتمييز والمشاركة الفعالة وغيرها من المواضيع.
كتب باحثون حول العطاء الانساني من منطلق التماسك الاجتماعي، وأظهروا ما يمكن ان يحققه في مجال التنمية االاجتماعية والاقتصادية حتى أيضاً تحقيق الأمن والامان، وذلك في حال انه تم تحديد غايات هذا العطاء، والمباديء والقيم التي تُبنى عليها اوجه الاستخدام، والغايات السامية من العطاء لن تتحقق الا بالتكامل والتنسيق و الكفاءة القادرة على ادارتها.
يمكن قياس التماسك الاجتماعي وفق درجة الثقة بين الافراد أنفسهم، وبين الافراد والمؤسسات والتبادل بينهم وفق قيم عامة وتحقيق المصالح المشتركة والسعي الى أكبر قدر ممكن من الشمولية ومشاركة المواطنين والتفاعل بين افراد المجتمع، والتماسك يتطلب تحقيق شرط المساواة على جميع الأصعدة، في توزيع الثروات والخدمات الاجتماعية بعدالة، ومن اهم عوامل استمرار التماسك الاجتماعي هي العادات والتقاليد الايجابية التي تحرص على وحدة الاسرة، الوعي وتعزيز الثقافة السائدة لحب الآخرين وثقافة العطاء والانتماء للمجموعة، بناء قدرات الفقراء، الشباب والنساء والمبادرات التطوعية وتمكينهم للمشاركة الفعالة في التنمية، بحيث يصبحوا مدركين لدورهم اتجاه ذاتهم و اتجاه مجتمعهم.
فالفقر بنية أخلاقية وصفة ثقافية لهوية مجتمع ما، والفقر يضر بالمجتمع ككل، وآثاره يتحملها كُلٍ من الغني و الفقير معاً.

اخر الأخبار