أبو علي شاهين حكاية ثورة وروحها

تابعنا على:   22:53 2022-05-26

إياد كريرة

أمد/ ولد القائد عبد العزيز علي شاهين في العام 1941 في قرية بشيت "قضاء الرملة" مر بظروف استثنائية فجلعت منه رجل اسئنائي، فمنذ مولده رأى الصهاينة ينكلون بأبيه وأعمامه أمام ناظريه فاستلهم المعاناة لتشب فيه روح الثورة وثقافة الثائر ، وأنتقل من بلاد أجداده لغزة هاشم ووصل مع من تبقى من عائلتة الى رفح عام 1949 و خاض تجربة استثنائية في حياته واستشهد خمسة من أعمامه بين عامي 1956-1957 ودفنوا في قبر جماعي في مدينة رفح و تأكد من خلال ما مّر به أن الصهيونية هي إرهاب دموي يفتك بشعبنا وهي سبب كل بلاء والسبيل الوحيد لمواجهتهم هي الإرادة والصلابة والتوجه للكفاح المسلح، بعد حصولة على الثانوية العامة في عام 1960
سافر للعمل في كل من قطر والسعودية وبدأ برسم معالم الثورة ويكون من أوائل من أسسوا حركة فتح مع رفاق دربه ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو إياد متفرغاً بأصرار للعمل العسكري في قوات العاصفة وتشكيل الخلايا الفدائية لمقاومة المحتل في جنوب الضفة الغربية وقطاع غزة، متنقلاً بين القرى والجبال إلى أن تم اعتقاله في 25 سبتمبر عام 1967 ليشكل نموذجاً أخر في النضال الفلسطيني .


القائد الأسطوري مؤسس الحركة الأسيرة.

هي ليست مجرد كلمه بل هي ذات معنى حقيقي بكل دلالاتها الإنسانية والفكرية والوطني.
خلال خمسة عشر عاماً أمضاها القائد أبو علي شاهين في سجون الاحتلال، كان بمثابة الأب الكبير لجميع الأسرى و عمل على رفع معنوياتهم وتثقيفهم وزرع بذور الثورة والنضال من داخل سجون الاحتلال، وأسس من خلال خبرته العملية وإبداعاته الفكرية، طرقاً ووسائل وأهداف لمواجهه الاحتلال بأجسادهم العارية وقوتهم المعنوية وأبرز تلك الوسائل سياسة الأضراب عن الطعام وقاد أبو علي شاهين أول إضراب عن الطعام عرفتة سجون الاحتلال في عام 1970، وتلاها العديد من الأضرابات وأطولها إضراب سجن عسقلان في عام 1976 واستمر 45 يوماً وإنتهى بنقله الى سجن شطة ثم نفحه الصحراوي وقاد فيها ثاني أطول إضراب و أستمر ثلاثة وثلاثين يوماً حيث بدأ الإضراب بعد نقله من السجن بيوم وشمل الإضراب العديد من المعتقلات والضفة الغربية وقطاع غزة ووصلت أصواتهم الى قاعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن مطالبين بتحسين المعتقلات وشعارهم نعم لألام الجوع ولا لألام الذل والخنوع.

كان للقائد أبو علي شاهين نفوذ كبير للأسرى وبرز كقائد وفدائي وكسب إحترام الجميع بالإضافة لتوجيهاته و أفكارة التي لها تأثير كبير وكانت بداية تأسيسه للأنشطه التنظيمية من داخل سجون الاحتلال، وعمل مع عدد من أبناء حركة فتح على التوعية الفكرية والسياسية وبناء الثوابت الوطنية والثورية لدى الكثير من الأسرى وخاصة فئة الشباب وعمل على التوعية الفكرية حول عمل مخابرات الاحتلال وأساليب التحقيق والتعذيب للأسرى للحصول على المعلومات، خلال تلك المرحلة كان يتنقل أبو علي شاهين من سجن الى أخر وذلك بسبب أنشطته التنظيمية والفكرية الثورية لديه حتى وصل الى سجن نابلس، حيث أقام فيه أول احتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1-1-1969 ووزع البيان وأذيع في جميع غرف السجن و أستمر الاحتفال الى ما منتصف الليل. وتلاها الاحتفال بذكرى معركة الكرامة. وبدأ بتشكيل الخلايا العسكرية داخل المعتقلات.

تعرض القائد أبو علي شاهين للعديد من التحديات داخل سجون الاحتلال بهدف كسر حاجز الخوف لدى الأسرى وتحسين ظروف الاعتقال وشكل مع عدد من الأسرى منعطفاً تاريخيا في تصعيد المواجهات مع الاحتلال و كسب الحقوق المسلوبة داخل الزنازين وبناء الهيكل التنظيمي للحركة الأسيرة، ولأجل ذلك تعرض للكثير من الاعتدائات والضرب والحبس الإنفرادي ومحاولات القتل والإهمال الطبي ومعه العديد من الأسرى وتفشي الأمراض داخل السجون لكن بصالبة معنوياتهم وقوة إرادتهم كانوا الأقوى في فرض قوتهم على سجانهم وفرض معادلات جديدة بكسر شوكة الاحتلال وأسقاطه من داخل السجون و كسب التضامن الشعبي وفضح جرائمهم وتسليط الضوء على معاناة الأسرى من خارج سجون الاحتلال.

بعد خمسة عشر عاماً قضى منها اثني عشر عاماً في عزله الإنفرادي خرج أبو علي شاهين مؤسساً للحركة الأسيرة ليبدء رجلة جديدة في حياته السياسية والفكرية بتأسيس حركة الشبيبة الطلابية.

بذرة الشبيبة الفتحاوية
تعد الشبيبة الفتحاوية بوابة العمل الشبابي ولتأسيسها محطة هامة في تاريخ حركة فتح، وقد مثل كل من القادة أبو علي شاهين ومحمد دحلان وتوفيق أبو خوصة والشهيد محمود أبو مذكور رموز هامة في تأسيس الشبيبة لتكون لاحقاً رائدة العمل البطولي في الإنتفاضة المباركة.

وضع أبو علي شاهين حجر الأساس بتأسيس حركة الشبيبة لتصبح ذراعاً شبابياً وطلابياً لحركة فتح، فقام مع ثله من الكوادر والمناضلين بتشكيل لجان شبيبة للعمل الإجتماعي وتضم الشباب والشابات من عمر 20 عاماً وما دون وعقد أول مؤتمر للشبيبة في عام 1982 في بيرزيت وضم قادة حركة فتح في غزة والضفة الغربية وأنطلق تمتد الى باقي المناطق الفلسطينية لتشكل نموذجاً في العمل الإجتماعي والأعمال التطوعية ومبادرات متنوعة لخدمة الشارع الفلسطيني ومشاركتهم الأفراح والأحزان وإستقطاب فئة الشباب وتوعيتهم سياسياً وفكرياً وثورياً وطرح أفكار ومبادئ حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أخدت الشبيبة الفتحاوية في التوسع والإنتشار وخاصة في مجالس إتحادات الطلبة في الجامعات والكليات بالإضافة للنوادي والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وإندمجت في المجتمع المحلي فشكلت حالة من التكافل وإستقطاب الجماهير،
ومع بداية الإنتفاضة المباركة تحولت الشبيبة إلى حركة ثورية مقاومة وأخذت على عاتقها قيادة وتصعيد الإنتفاضة بالحجر والكفاح المسلح بوجه الإحتلال الذي بدأ يإعتقال كل عضو في الشبيبة بزعمه أنها منظمة تخريبية وتشكلت مجموعات العمل المسلح وأبرزها مجموعات الفهد الأسود وصقور فتح وقوات الشبيبة الضاربة التي ضمت أبناء الشبيبة وقدمت آلاف الشهداء والجرحى واعتقل الآلاف من أبنائها فداء للوطن.

مثلت الشبيبة جانب هام في سيطرة حركة فتح على الشارع الفلسطيني وداخل كل بيت فلسطيني وتمرير مواقف الحركة وكسب التأييد الشعبي وأمدها القائد أبو علي شاهين بالكثير من الدراسات الثقافية وقادها فكرياً وثقافياً، وكانت محط اهتمام العديد من قادة حركة فتح وقُدم لها الدعم التنظيمي المادي والمعنوي.

رغم أن الإحتلال فرض عليه الإقامة الجبرية في منزله في مخيم تل السلطان بمدينة رفح ألا أنه قد زار أغلب مدن الضفة الغربية ومخيماتها داعياً
إلى تصعيد العمل في فكرة الشبيبة، والتي أصبحت تضرب الإحتلال وتثير
عليه الجماهير في مواجهات يوميه.

العمل النضالي في الخارج والعودة إلى الوطن.

في عام 1985 قام الإحتلال بنفي القائد أبو علي شاهين إلى جنوب لبنان ومن ثم إلى الأردن ليصبح مسؤلا لمفوضية التعبئة والتنظيم وثم أبعد إلى بغداد ليترأس مفوضية التعبئة والتنظيم والملف العسكري، وعاد الى لبنان حيث مارس عمله النضالي والفكري و عُين بعد ذلك أميناً لسر القيادة في الساحة اللبنانية من نوفمبر 1986م وحتى ديسمبر 1987م، بعدها توجه إلى تونس مقر القيادة الفلسطينية حيث عمل في القطاع الغربي من شهر كانون الثاني 1988م وحتى شهر سبتمبر 1993م مسؤولاً في جهاز الأرض المحتلة وقاد العمل المسلح مع الشهيد أبو جهاد الوزير وعاد إلى أرض الوطن 11-10-1995 بعد توقيع إتفاقية أوسلو وتأخرت عودته بسبب معارضته لها، انتخب أبو علي شاهين عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح أثناء انعقاد المؤتمر الخامس للحركة في مدينة تونس عام 1989م .

بعد عودته إلى أرض الوطن وفي بداية عام 1996م انتخب أبو علي شاهين عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة رفح وحتى يناير 2006م .

و كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني من عام 1996م وحتى يناير 2006م ، كذلك عين وزيراً للتموين من الفترة 1996م وحتى مايو 2003م،
وشغل العديد من المواقع القيادية داخل حركة فتح التي انتمى اليها وساهم في تأسيسها وعشقها وأخلص لمبادئها.

في صباح يوم الثلاثاء الموافق 28 - 5 - 2022 فارقتنا روح شيخ المناضلين إلى بارئها بعد مسيرة عظيمة من النضال بعد تدهور صحته بصورة سريعة نتيجة توقف جزئي لعمل الكبد ونقله للمشفى أكثر من مرة وخرج برحلة علاج بالخارج لكنه أصر على العودة لقطاع غزة ليدفن في المدينة التي عشقها مدينة رفح.

آمن شيخ المناضلين القائد الفلسطيني أبو علي شاهين بأن التسلح بإرادة القوة يختصر الطريق إلى القدس وأن روح الثورة يجب أن تستمر وأن النصر هو راية المناضلين جيلاً بعد جيل.

رحل أبو علي شاهين جسدا وبقيت روحه تعانق الأرض وتملأ أفاقنا بتراثه الفكري ورواياته النضالية تاركاً لنا أرثاً ومخزون ثقافي وسياسي وأغنى المسيرة التربوية والأكاديمية بأكثر من 30 رسالة ماجستير ودكتوراه وفي مجال الأدب لا سيما في الرواية والقصة والشعر والنثر وكاتباً ومفكراً ومحلالاً سياسياً كتب العديد من المقالات والمعالجات السياسية والفكرية.

كان يوصف ب ضمير حركة فتح، لتواضعه وعفته وزهده وهو صاحب الكلمة الشجاعة والهادئة والثورية في أن واحد، لايخشى أحد ويتعامل مع الجميع بمنطق الوطنية ولمصلحتها، فكانت أرض فلسطين و مقدساتها وحجارتها هاجسه الأول والأخير

جُمع بشخصيته النضالية بكل أبعادها السياسية والعسكرية والجماهرية والوطنية والفكرية والثقافية.

أبو علي شاهين زيتونة فلسطين التي ما زالت تثمر وشيخ مناضليها.
لروحك السلام أيها الثائر...

اخر الأخبار