كيف بقيت الديانة اليهودية

تابعنا على:   07:55 2022-02-02

أسامة حمود

أمد/ لماذا لم تنقرض الديانة اليهودية؟ و لماذا يعاود اسم بني اسرائيل الظهور رغم انقطاع نسبهم منذ الآف السنين؟
تختلف الديانة اليهودية عن المسيحية و الاسلامية اختلافا جذريا فهي تحمل تابوتها الذي فيه موتها و انقراضها دائما معها و ذلك التابوت دائما و بشكل متكرر يجرها إلى موتها و انقراضها عبر التاريخ، و مع ذلك تعاود الظهور دائما و بصورة درامية و دموية في معظم الأحيان.
لكي نفهم الديانة اليهودية علينا العودة إلى البدايات و لكن ليس البدايات الأولى بل بداية الديانة اليهودية، كان ملك النبي داوود و ثم سليمان أول ملك للأنبياء على منطقة جغرافية من بعد طالوت الذي وصفه القران بالعلم و القوة الجسدية و رغم كل قصص التوراة من بعد موسى ابتداء من الحكم السياسي ليوشع فإنه بات واضحا أن كل هذه القصص موضوعة و أن بني اسرائيل من نسل ابراهيم لم يخوضو في الملك و السياسة و انه لا منطق في حجم قبيلة بني اسرائيل زمن موسى من احفاد يعقوب و احصاء عددهم بمئات الالاف بينما نفس التوراة تؤقت زمن موسى بثلاثة الى خمس اجيال كما اذكر و تحول قبيلة من اثني عشر فردا الى مئة و خمسين ألفا بأقل من مئتي سنة..و هذا لوحده يؤكد عدة أمور أولها أن قبيلة بني اسرائيل لم يكن لها أي كيان سياسي قبل طالوت و أن طالوت أصلا كان زعيم حرب مؤقت لأول مرة و أن داوود عليه السلام كان أول حاكم سياسي لها و أحدد بالذكر حاكما و ليس امبراطورا أو شبيها بملوك الأرض من حيث الغزو و التوسع و الفتح أو الاحتلال فهو نبي مؤيد من الله و أعطاه القدرة و المعجزات و لم يجعله غازيا مستبيحا للأرض بقدر ما كان داعيا للتعبد و زاهدا و يقضي وقته في المحراب متعبدا..كذلك كان عدد بني اسرائيل بسيطا نسبيا فهم الفئة القليلة التي هزمت جالوت و من بعدها كان داوود و سليمان يحجون الى مكة و الأقصى و قد سخر الله تعالى لسليمان الريح لتجري السفن على طول البحر الأحمر كما يبدو كأنه لم تكن هناك ممالك كبيرة بعد قد تأسست في المنطقة و يؤكد هذا معجزته بإلانة الحديد و إسالة النحاس و الذي يوضح أن زمنه كان في بدايات العصر النحاسي و الذي يضعه تاريخيا أبعد بكثير مما تصور التوراة الحالية بالاف السنين و هذا يفسر وجود اسم داوود مثلا في مخطوطات مملكة مارية التي تعتبر واحدة من اقدم الممالك بل و ربما يؤكد ان الاشوريين تسمو باسم سليمان و ان شلمانصر اول ملك اشوري تسمى باسم سليمان و ليس العكس و على كل مرادنا هنا ان نؤكد على ان قبيلة بني اسرائيل قديمة و كانندت صغيرة و دون حكم سياسي على أي ارض حتى سليمان و الذي يبدو أن ابناءه و أحفاده أسسو لاحقا للديانة اليهودية الاولى و التي أي الديانة اليهودية كتبت بتأن و حرص و صممت لتحول ديانة الآباء التوحيدية إلى ديانة خاصة تتألف من كيان سياسي يقوده رجال دين موحدين و لهم خصوصية بانهم ورثة الانبياء يعطون لانفسهم الحق في حكم البشر بدل الدعوة الى دين ابراهيم عليه السلام أو التعبد و بالنتيجة تبدد العتقاد تدريجيا بدين الاباء و عادت الوثنية و تعدد الالهة مع بقاء سلطة الكهنة الذين تنافسو على المال و السلطة الأمر الذي أدى بالنهاية الى تصادم الاثنا عشر قبيلة و بالنهاية تحولو الى قبائل صغيرة منها من بقي و منها من انقرض مع استمرار وجود الكهنة كسلطة دينية و سياسية على مناطق قبلية صغيرة و هكذا كان اندثار الديانة اليهودية الاولى التي اخترعها الكهنة من احفاد سليمان كما اعتقد.
و رغم هذا ففكرة وحدانية الإله و استمرار وجود الكهنة رغم محاربتهم للانبياء الذين اتو لاحقا ناصحين و مصححين و داعين الى دين الوحدانية الخالي من السلطة الدينية البشرية و كذلك تألق فكرة الحكم بإسم الإله و بسلطته العليا كلها كانت عوامل لبقاء الفكرة نفسها لا النسل ..لأنه و رغم استمرار النسل غي تلك الأيام فإنه كان مشتتا و بل أيضا محاربا ربما من قبل الكهنة الذين كانو يسعون جاهدين للمال و السلطة و استمر تشتيت و ضعف اليهودية الأولى طويلا حتى ظهور الديانة اليهودية الثانية و التي بدأت كما يبدو مع نهايات المملكة الاشورية و نشوء الممالك المقدونية و البابلية و الفارسية أو بمعنى اخر انهيار الممالك القوية في المنطقة و ظهور ممالك جديدة سمحت للكهنة بالعودة الى الساحة السياسية و تأسيسهم نموذج متطور من الديانة اليهودية و بنسخة جديدة تميزت بتحويل لب الديانة من وحدانية الإله الى تقديس و تميز عرق بشري بعينه و صياغة كل الديانة من الألف إلى الياء حول هذا الموضوع لترسيخ حكم الكهنة السياسي مقابل هذه الممالك الجديدة الناشئة فكتبت معظم التوراة على أيدي الكهنة في تلك الفترة بين سبعمئة و أربعمئة قبل الميلاد و اخذت كل قصص اليهودية الأولى و من قبل القصص المتبقية المتوارثة من الانبياء و شرائعهم و كذلك ما يكفي من قصص الامم المجاورة لصياغة الكتابات الاولى للتوارة بنسختها التي نراها اليوم فهي نفس التوراة التي بدأت بشرائع موسى ثم التفت لتتكلم عن اساطير بابل و الاغريق و من ثم وضعت تواريخ غير منطقية متقارية و اوجدت قدسية أصيلة لبني أسرائيل بأنهم كعرق و دم مقدس دونا عن بقية البشر و رغم أن نسب الكهنة غالبا لم يتصل ببني اسرائيل القدماء في تلك الحقبة الا انه كان من الضروري للكهنة اظهار هذا النسب و ادعائه و تقديسه ليكسبو طاعة اليهود و البقايا القليلة من بني اسرائيل و ليكونو مقدسين و ارفع منزلة امام بقية البشر و لهذا كان الحرص في كل زاوية من التوراة التحدث عن قدسيتهم و على الوعد الالهي بقطعة ارض جغرافية دنيوية تكون لهم و لم يكن يهم المكان بحد ذاته في تلك الايام بقدر السلطة المبتغاة من قبل الكهنة من خلالها فكانت قطعة الارض هذه في اليمن ايام الاشوريين و تحولت الى ارض النيل ايام غزو المقدونيين الى الشام في القرن الاول قبل الميلاد بحسب ما يقتضيه الواقع السياسي و تعاظم او ضعف الممالك المحيطة في تلك الازمان. و رغم ان الوحدانية و شرائع موسى تحدثت انه لا تزر وازرة وزر أخرى و لاتورث الخطيئة الا انهم بنفس كتاباتهم جعلو نسل قابيل ملعونا حتى لو امن و تعبد و كذلك جعلو نسل العمونيين و الكنعانيين نسلا نجسا موسوما بانه ابناء زنا و سفاح لضمان احتقار الجيران المحيطين بهم.
و على كل بهذه الطريقة اكتسب الكهنة عمرا قصيرا من الحكم الذي سمحت به الممالك في المنطقة و على مناطق محدودة و متنافسة و محاصرة ولكن يبدو ان مصدر قوتهم كان دائما سبب في قتلهم و هزميتهم فالوحدانية كدين لم تشكل تحديا للمالك المنطقة لانها بحد ذاتها ليست دعوة لسيطرة او حكم و لكن اليهودية الثانية و بتصميمها ان تكون حكما سياسيا للكهنة اورثت عداوة معظم الممالك لهذه الديانة لانها تصبحت تشكل تهديدا محتملا قابلا لان تصبح منافسا و لهذا كان دائما يتم ابادتهم او طردهم و تشريدهم .
ان الدعوة لتقديس جنس معين من البشر دون الاخر هي دعوة صريحة للانغلاق اولا و الانتحار الجماعي البطيء ثانيا و عليه كانت رسائل الانبياء الكثيرين قبل المسيح تتجه الى محاربة الكنهة او نصيحتهم و دعوتهم لحسن الخلق و ترك الربا و جمع المال و الاحتكار و قتل المخالفين من ابناء نفس القبيلة و هؤلاء هم نفسهم الانبياء الذين حوربو و طوردو و قتلو من قبل كهنة اليهودية الثانية بل و اجزم انه لم يتبق من نسل اسرائيل احد نتيجة هذه الحروب و ان ما بقي تلك الفترة هو بعض الكهنة الذين يدعون النسب بهدف السلطة و بقيت كتاباتهم و تأليفاتهم الى يومنا هذا.
ولكن اذا انقرض العرق لماذا بقيت الديانة و لم تنقرض هي ايضا؟
الجواب ان سبب انقراض العرق هو نفسه سبب استمرار الديانة
ذلك ان فكرة تقديس عرق و احقيته بأرض و سلطة هي نغمة يحبها كل المتسلطين و المستبدين على الارض و من الممكن بسهولة كما يبدو واضحا في ايامنا هذه ادعاء النسب و النسل لبني اسرائيل
فقبيلة حمير مثلا تبنت ديانة اليهودية الثانية من بعد المسيح بمئات السنين وادعت تقديس عرقها و اتصالها بنسل الانبياء بهدف محاربة الممالك المحيطة و التميز عنها بقدسية خاصة بل و استمر تواجدهم حتى ظهور الاسلام فالقبائل اليهودية في المدينة المنورة كانت كلها عربية ومن اصول يمنية حميرية و منها كان الشاعر العربي الذي اسلم حسان بن ثابت..و انعزال اليهود ايامها عن بقية العرب و بناء حصونهم و مدنهم الخاصة كان جزء لا يتجزء من عقيدة اليهودية الثانية التي لا نسب لها ببني اسرائيل الحقيقيين و اصبحت في عهد النبي عليه الصلاة و السلام و على كل الانبياء من قبله السلام اصبحت صفة بني اسرائيل ملازمة لكل اتباع اليهودية الثانية فمثلا يخاطب الله تعالى بني اسرائيل في القرآن و يسألهم لم تقتلون انبياء ان كنتم مؤمنين وقد يبدو واضحا ان هذا السؤال ليس الى ابناء نسل و نسب بني اسرائيل بل يخاطب ابناء الديانة اليهودية الثانية الذين ادعو النسب و القدسية و الا لماذا يسأل الابناء عن ذنوب الاباء اللهم انه كان يسأل مدعي النهج و الفكرة من الكهنة المعاصرين الذين اتبعو نفس ديانة الكهنة الذين سبقوهم في القرون التي سبقت المسيح بهدف المال و السلطة.
لهذا بقي اسم النسل المنقرض مرتبطا بديانة انقرضت و ستنقرض مرة تلو مرة و لانها تحمل نعشها بيدها و سياتي مجموعة من الكهنة او في عصرنا هذا السياسيين التجار و المستبدين الطامحين فهي ديانة جاهزة للاستغلال و يمكن تلبيس النسب حتى و ان لم يتوافق جينيا مع اي منطقة لاحتلالها باسم نسب مقدس و ارض موعودة و دين كهنة سياسيين.
من باب آخر فإن كل من المسيحية و الاسلام حملا قصص بني اسرائيل الاولى و لو جزئيا و هما اكثر دينين ينتشران سواء بالافكار او الكتابات و يحملان تصديقا لديانة الموحدين الاولى من حيث المبدأ و قصصهم و مواعظ الانبياء من بني اسرائيل الاولين و انتشارهما ساعد و بشكل كبير على بقاء الديانة اليهودية المعاصرة

اخر الأخبار