دور الجمعيات الخيرية بالمغرب في الحد من الفوارق الاجتماعية

تابعنا على:   20:01 2022-01-17

أمين سامي

أمد/ إن العمل الجمعوي بالمغرب ظهر حديثا بالمغرب خاصة وعرف كرونولوجيا من حيث النشأة و التطور , بداية ظهرت ما يسمى بالجمعيات الإحسانية التي كانت تقوم بأنشطة تضامنية و اجتماعية وكانت ذات أثر اجتماعي قوي وهذه كمرحلة أولى و كجيل أول من الجمعيات , أما الجيل الثاني من الجمعيات فكانت جمعيات ذات الطابع الحقوقي ومنها تم تأسيس و ظهور الجمعيات الحقوقية الرائدة في المغرب , أما الجيل الثالث فعرف نشأة وظهور الجمعيات التنموية التي ظهرت مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في صيغتها الأولى و الثانية , التي عرفت قيام الجمعيات بأنشطة تنموية متعددة تجلت في مشاريع مدرة للدخل وكذا مشاريع لمحاربة الإقصاء الاجتماعي , بالإضافة إلى محاربة الفقر و الهشاشة , كما خلقت هاته الجمعيات العديد من فرص الشغل حيث قامت بإنجاز مشاريع مهمة في هذا الإطار وها نحن اليوم , على مشارف الثورة الصناعية الرابعة , حيث بدأنا نلاحظ نوعا جديدا من الجمعيات , وهي الجمعيات المقاولاتية أو بمعنى أصح الجمعيات التي تستعمل أدوات التدبير المقاولاتي في تدبير الجمعية , او الجمعيات الرقمية التي أصبحت اليوم تعتمد على التكنولوجيا و مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف أكثر بأنشطتها و أعمالها حيث تقوم هذه الأخيرة بخلق القيمة المضافة من خلال خدمات جديدة و متنوعة تلامس على إثرها الواقع المغربي , كذلك نلاحظ ظهور جمعيات عبارة عن مراكز للدراسات أو عبارة عن مراكز للأبحاث و مراكز للتفكير الاستراتيجي , تساهم بدورها في البحث و تقييم السياسات العمومية , من خلال جلب الخبراء و فتح النقاش في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و … لكن هذا النوع من الجمعيات قليل جدا ومحدود .

فالعمل الجمعوي في المغرب هو عمل تطوعي مجاني كما تمت الإشارة إليه في الفصل الأول من ظهير 1.58.376 حيث عرف الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم بغاية غير توزيع الأرباح . مشيرا بذلك إلى ( الفصل 1 من الظهير الشريف رقم : 1.58.376 المؤرخ في 15 نونبر 1958 والمعدل في 1973 الذي يضبط بموجبه تأسيس الجمعيات ) . ومن هنا يمكننا أن نرى أنه من خلال التعريف المغربي للجمعية يتضح أنه ركز على ثلاث نقاط أساسية وهي :

الاتفاق
التعاون
عدم توزيع الأرباح

وهنا يمكن أن نلاحظ اليوم هو غلبة الطابع المادي في العمل الجمعوي , حيث نلاحظ ضعف العمل التطوعي المجاني , بالرغم من المبادرات العديدة التي تقوم بها الجمعيات المتطوعة , التي تؤمن بروح التطوع والتضامن والتكافل , وهذا الأمر يحيلنا على التساؤل عن المعيقات والأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هاته الحالات .
إنطلاقا من تشخيص الواقع وتشخيص وضعية منظومة العمل الجمعوي بالمغرب , وبالرجوع للتصريح الأخير للوزير السابق للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني , مصطفى الخلفي , في جوابه الكتابي على السؤال رقم 10644 بتاريخ 03 أكتوبر 2019 , بمجلس النواب أن عدد الجمعيات الحالية يبلغ أو يفوق 160.000 جمعية , في حين أن نسبة 15% منها هي من تمتلك فعالية الاشتغال أي 24.000 جمعية. وهذا بحد ذاته إشكال و تحدي كبير , بمعنى أن 136.000 جمعية التي تمثل نسبة 85% تفتقر للإمكانيات المادية والبشرية المناسبة للقيام بالدور المنوط بها على أحسن وجه وتملكها وسائل الاشتغال الفعالة رغم كل البرامج الحكومية التي تصب في هذا المجال.

وبخصوص تقسيم مجالات عمل الجمعيات فهي كالتالي :
المجال الاجتماعي : 24% من جمعيات المجتمع المدني تشتغل في هذا المجال
البيئة والتنمية المستدامة : 22%
الرياضة و الترفيه ب : 18% وأخيرا التربية و التكوين ب 13% , هذا بشكل عام حول عدد الجمعيات المصرح بها ومجالات اشتغالها , أما من حيث المعيقات فيمكن تقسيمها إلى معيقات ذاتية تتعلق بالجمعيات و الفاعل المدني و معيقات موضوعية تتعلق بمجموعة من الإصلاحات التي ينبغي القيام بها لجعل العمل الجمعوي مدخل من مداخل التنمية .
فهناك ما هو مرتبط بمعيقات موضوعية ينبغي و يتطلب إصلاحات من طرف الدولة , إلى جانب المعيقات المرتبطة بالجمعيات و الفاعل المدني و هي معيقات ذاتية.
وتتجلى هذه المعيقات في مستويين :

أولا – معيقات على المستوى التشريعي :

إذ من المعلوم أن ظهير 1.58.376 أصبح متجاوزا , ويجب تعديله ليواكب الدستور الجديد للمملكة , دستور 2011 ليكون بذلك مواكبا للنموذج التنموي الجديد , إلى جانب غياب قانون التطوع التعاقدي , و التطوع المجاني الذي يجب أن يضمن حقوق وواجبات الأفراد المتطوعين لدى الجمعيات , كما يجب تفعيل المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي و مطالبة الحكومة بأخذ التوصيات وكذا الدراسات التي ينجزها إلى جانب بلورتها في استراتيجيات و إجراءات تطور من منظومة العمل الجمعوي.

بالإضافة إلى غياب قانون للأجراء العاملين بالجمعيات وجب استصداره وإخراجه لحيز الوجود , إلى جانب غياب سجل وطني لتسجيل و تصنيف الجمعيات حسب مجالات عملها . إلى جانب معيقات أخرى ينبغي إصلاحها .

أما على مستوى معيقات التدبير المالي والمحاسباتي , أكد سامي أنه في غياب مخطط محاسبي خاص بالجمعيات un plan comptable associatif , حيث يتم الآن الاعتماد على مخطط محاسبي الخاص بالشركات وبالتالي هناك اختلاف في طبيعة الخدمات وبالتالي فالجمعيات لا تهدف إلى الربح أساسا عكس الشركات , مشيرا بذلك , إلى تهرب الجمعيات من التصريح الضريبي رغم أنه ملزم لها , أضف إلى ذلك غياب قانون يسمح للجمعيات بأخذ سلفات وقروض صغرى في إطار مشاريع مدرة للدخل بفائدة صغيرة وفق مشاريع محددة الأهداف و النتائج و تحقق الأثر الاجتماعي مع تحديد سقف معين للقروض وكذا تحديد مجالات القرض , موضحا أن كل هاته المعيقات وغيرها تكون عائقا في التدبير المالي و المحاسباتي للجمعيات .

إلى جانب هذا هناك معيقات تدبير الموارد البشرية ناتجة عن ضعف تكوين الفاعل المدني و تفشي الممارسة العشوائية التي لا تساعد في تحقيق الأهداف المرجوة , إضافة إلى معيقات على مستوى التنظيم الإداري من خلال غياب هيكل تنظيمي مضبوط لدى معظم الجمعيات (..) وكذا العديد من المعيقات منها غياب الرؤية الإستراتيجية وضعف الثقافة التنظيمية للمؤسسة الجمعوية , إلى جانب غياب مخطط تواصلي و غياب محفظة كفايات المهنة الخاص بالمتطوعين في المجال الجمعوي و غياب دليل مساطر التسيير و التدبير الإداري و المالي و دليل العمليات الجمعوية , ضعف التوثيق و الأرشفة .

مع كل هذه التحديات قامت الجمعيات بدور أساسي ومهم في إطار الشراكة مع الدولة وذلك في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , حيث تعتبر هذه البرامج مهمة وواقعية ويجب الاستمرار فيها بما في ذلك البرنامج الأفقي , و برنامج محاربة الفقر والهشاشة وكذا برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي إلى جانب برنامج الأنشطة المدرة للدخل , حيث أن كل هاته البرامج كان لها أثرا ايجابيا و ملموسا على المستفيدين الذين استفادوا من دعم برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبالتالي يجب العمل بشكل أكبر على توسيع قاعدة المستفيدين إلا أنه وجب خلق برامج جديدة تتماشى مع المرحلة الجديدة التي يعرفها المغرب من خلال بلورة النموذج التنموي الجديد .

وفي ظل التحولات العالمية و الاقتصادية و الاجتماعية التي أصبحنا نعيش فيها الان وفي ظل إقتصاد المعرفة و التحول الرقمي أصبح على برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تتجه نحو التكنولوجيات الحديثة , و تشجيع البحث العلمي , و التعليم عن بعد , إلى جانب المجال الصحي وبهذا نكون ساهمنا في خلق جيل جديد من المبادرات و المشاريع التي تتماشى مع الثورة الصناعية الرابعة.

إن سبل الارتقاء بالعمل الجمعوي مستقبلا يمكن إجمالها في 04 مداخل أساسية و هيكلية :

المدخل الأول : فهم النسق الاجتماعي للوسط الذي تشتغل فيه الجمعيات
المدخل الثاني : إعادة النظر في منظومة القيم والثقافة التنظيمية التي تتبناها الجمعيات
المدخل الثالث : الانتقال من التدبير بالأهداف إلى التدبير بالكفايات
المدخل الرابع : إرساء نظام حكامة أفقي على جميع المستويات

وبالتالي إيلاء أهمية خاصة لهاته المداخل سيعزز الفعل المدني و سيقويه ويجعله رافعة من رافعات التنمية بالبلاد

اخر الأخبار