التالينا ... مجزرة البقرات ... وسلاح المقاومة

تابعنا على:   10:47 2020-08-08

رائد محمد الدبعي

أمد/  أصدر  رئيس الوزراء الاسرائيلي " ديفيد بنغوريون "  أوامره  دون تردد لقوات " الهاغاناه " التي كانت تمثل الجيش "الرسمي لإسرائيل"  بقصف السفينة "التالينا" الراسية على شاطئ تل أبيب عام 1948، والقادمة من فرنسا، على الرغم من أنها كانت محملة  بمئات اليهود الذين  كان كيانه يحتاجهم، وآلاف البنادق، والقنابل، وبعض العربات المصفحة، وملايين الطلقات النارية،  ولم يتردد إسحاق رابين في تنفيذ الأوامر بكل حسم وجدية، على الرغم من كل محاولات " مناحيم بيغن " رئيس عصابة " الايتسل " الصهيونية اقناع بنغريون أن  ما على السفينة من أسلحة ورجال يهدف  لتحرير القدس، والحفاظ على التفوق اليهودي ضد العرب،   سقط في العملية  خمسة عشر قتيلا من قوات الايتسل على يد الهاجاناه، وظهر شبح حرب أهلية يهودية في الأفق، إلا أن بنغورين أصر على حسم قضية الشرعية، مرة واحدة وللأبد، والتأكيد على حرمة ازدواجية السلاح، ورفعه خارج إطار المؤسسة الرسمية الموكل لها استخدام العنف المشروع  للحفاظ على السلم الأهلي، والأنظمة والقوانين، وفقا لقانون العقد الاجتماعي، ومنذ ذلك الوقت الذي فرض فيه بنغوريون هيبة الدولة، ووحدانية امتلاكها لحق ممارسة القوة من أجل فرض النظام والقانون، لم نعد نسمع عن عائلات يهودية تأخذ القانون بيدها، أو عن شخصيات رسمية في اسرائيل تستخدم عصابات مسلحة لفرض رؤاها السياسية، وتحقيق مصالحها في القيادة والهيمنة والنفوذ ، أو أحزاب سياسية تمتلك ميليشات مسلحة، وتنافس هيبة الدولة، وشرعيتها، ، إذ أن ما  نعيشه من فوضى السلاح بيد المستوطنين في الضفة الغربية، أو التسلح المفرط وارتفاع مستوى الجريمة في الوسط العربي ما هو إلا مخطط مبرمج يهدف إلى تحقيق الهدف الإسرائيلي " أرض أكثر وعرب أقل " وما هو سوى فوضى منظمة تمتلك المؤسسة الأمنية في اسرائيل كافة خيوطها، وتحركها  لخدمة المشروع الصهيوني.

 ما نشهده يوميا من جنون استخدام السلاح خارج القانون في فلسطين، لا يشبه أبدا فلسطين التي نريد، والتي انفرط عقد الاف الشهداء من أجل حريتها، وما نعيشه يوميا  من أخبار قتل، أو اعتداء، على أرواح وأملاك المواطنين أو المؤسسات يدعو للقلق الحقيقي، قائمة الفلتان التي  تنوعت ضحاياها ما بين  المواطنين، والأملاك، والمؤسسات، إلى أن وصلت مؤخرا إلى المجزرة التي ارتكبت في الخليل، والمتمثلة بإطلاق النار وقتل 48 بقرة حلوب في إحدى المنشات التجارية، هذه الجريمة التي تشوه الصورة الفلسطينية من شعب يتحدى المحتل عام 1987، وينجح بإخفاء 18  بقرة حاول المحتل اختطافها، مستخدما الطائرات، والجنود، وفرض نظام منع التجول في بيت ساحور، التي سطرت قصة إرادة شعب نجح في  تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحرير لقمة خبزه من ابتزاز المحتلين،  والذي نشر فيه فيلم ذاع صيته في كل الدنيا بعنوان  “ The wanted 18”، إلى شعب يطلق النار على مصدر رزقه.

   من الهام للغاية أن يصغي  المسؤولين لمخاوف  المواطنين اليومية في البيوت والمواصلات العامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يعبرون عنها دون رتوش  عن شعورهم، ومخاوفهم، وعدم شعورهم بالأمان، وتخوفهم من استشراء حالة  الفلتان الأمني من جديد، الذي عانت منه مختلف محافظات الوطن خلال السنوات الماضية، والتي كان ضحيتها المواطن، والنسيج الاجتماعي، والأملاك، والأعراض، والتي تسببت بهجرة عدد من المواطنين بحثا عن الأمن والاستقرار، والذي يطل اليوم بكل ثقله على الواقع الفلسطيني من جديد، لتضاف إلى الاحتلال والفقر والبطالة وفايروس كورونا.

  ليس هناك ما يبرر بقاء السلاح بيد فئات من المواطنين، وما من أمر يستدعي وجود ميلشيات مسلحة تحت أي غطاء كان، ومن غير المعقول السكوت عن حالة العسكرة، والتسلح، وتخزين السلاح على مرأى من السلطات التي يقع على رأس مسؤولياتها  احتكار استخدام السلاح لتطبيق العدالة وحفظ الأمن، ومن غير المفهوم هذا الصمت أمام كل هذا الجنون،  كيف يمكن تبرير امتلاك عاطل عن العمل لا يتجاوز العشرين عاما لبندقية يزيد سعرها عن عشرة آلاف دولار على أقل تقدير، ومن الذي يمول الطلقات النارية التي تقض مضاجع الآمنين، يطلقها مراهقون لا يملكون تكاليف أجرة المواصلات اليومية، ومن هو المستفيد من كل هذا العبث.

    شعار سلاح المقاومة الذي يحاول بعض المنفلتين استخدامه غطاء لتبرير جرائمهم،  يجب أن يختفي للأبد، فسلاح المقاومة أنقى من أن  يشرع في وجه المواطنين، وللاعتداء على  أملاكهم، وأعراضهم، وأمنهم، وراحة بالهم، وسلاح المقاومة لا يمكن أن يشاهد إلا في ساحات المواجهة، لا قاعات الأفراح، والمناسبات الاجتماعية، والخلافات البينية، وعمليات السطو، والترويع،  وقد فرَق غسان كنفاني، المنظَر الأول لشرعية سلاح المقاومة، الذي وصفه  "بالإعلام الثوري" الذي نزع الشمع عن الاَذان الغربية، وصاحب مقولة، إنما خلقت أكتاف الرجال لتعلق عليها أعقاب البنادق،  بين سلاح المقاومة وسلاح الفلتان، حينما قال أن البندقية التي لا  يلازمْها الوعيُ والإرادة والرؤيةُ وتحديدُ الهدف الصحيح هي كومة من حديد، وربما لو عاصر كنفاني هذا الزمن لوصفها بقاطعة الطريق.

 فلنتذكر أن  الله تعالى  في القران الكريم قد ربط بين عبادته والعيش الكريم الامن بقوله " فليعبدو رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف "، فدون توفير الأمن للمواطن، ولقمة العيش الكريمة له، تبقى  أي شرعية منقوصة.

  آن الأوان لاقتلاع جذور الفلتان لا تقليم فروعه، بمعنى وضع حد لمن يموَل، ويحرض، ويوفر الغطاء، ويمنح الشرعية للمنفلتين، وتقديمهم للمحاكمة، ومصادرة الأسلحة، والتمحيص عن مصدرها، وممولها، والمستفيد من وضعها بيد مجموعات خارج إطار القانون،  واتخاذ خطوات رادعة لتجفيف المنابع، وحماية الوطن والمواطن، دون مواربة، أو محسوبية، أو تواطؤ، أو تقصير.

اخر الأخبار