مشاكسات حزب الله وإسرائيل.. جعجعة بلا طحن

تابعنا على:   10:47 2020-07-31

د. خالد رمضان عبد اللطيف

أمد/ على مدى العقدين الماضيين أبدى حزب الله استعداده دائماً للرد على أي هجوم تشنّه إسرائيل ضده أو ضد لبنان، مستنداً إلى استراتيجية الردع التي يتبناها حيال قوات الاحتلال، مشدداً على أنه سيظل مرتدياً ثوب المقاومة، لكنّ هذه الحجة باتت عرضة للتشكيك، إذ ينتقد العديد من الدول العربية المهمة، والشخصيات اللبنانية السياسية والدينية البارزة الطريقة التي عزل بها الحزب لبنان عن محيطه العربي وأرغمها على الدوران في الفلك الإيراني.

بهدف تجنب التصعيد مع حزب الله، تحرص قوات الاحتلال على استعراض الكثير من النار والكبريت دون إيقاع إصابات في صفوف الجانبين، إذ يعتقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، أنه إذا كانت الأضرار التي ستلحق بحزب الله في مواجهته القادمة مع الجيش الإسرائيلي غير محتملة منذ البداية، فإن الحزب سيستنتج أنه لا جدوى من إطالة أمد المواجهة مع إسرائيل، وبعبارة أخرى: كلما ازداد الفتك، قل الوقت الذي سيستغرقه وقف القتال، وستنقذ إسرائيل نفسها من حرب طويلة مكلفة ودموية.

على أنه يمكن وصف السنوات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، بالاستعراضية أو سنوات فرد العضلات أو أنها جعجعة بلا طحن، إذ شهدت استعرضاً ثنائياً تضمن شهباً من النار والدخان والانفجارات والأبواق، دون إيقاع إصابات كبيرة، بينما يتظاهر كلا الطرفين بأنه وجه ضربات موجعة للطرف الآخر، فيما يؤكد الواقع أنه لا أضرار تذكر، والمثال الأبرز على ذلك، واقعة اغتيال سمير القنطار في سورية خلال كانون الأول (ديسمبر) 2015، والتي حمّل الحزب إسرائيل المسؤولية، وتوعد بالرد على اغتيال القنطار الملقب بعميد الأسرى المحررين اللبنانيين، إلا أن هذا الرد لم يحدث خلال 5 سنوات مضت حتى الآن.

لكن الواقعة الأخيرة تعد أشد الأمثلة إيضاحاً على شعار المرحلة "جعجعة بلا طحن"، وهي بالمناسبة اسم أطلقه شكسبير على إحدى روايته، ففي يوم 27 تموز (يوليو)، تسلل ما بين ثلاثة إلى خمسة مسلحين من حزب الله الحدود الدولية «الخط الأزرق» الواقع بين لبنان وإسرائيل، بالقرب من مزارع شبعا، والذي يمثل الساحة المعتادة للاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله، حيث كانوا في طريقهم لتنفيذ هجوم على قوات الاحتلال، لكن أحد كشافي جيش الاحتلال تعرف على المقاتلين أثناء عبورهم الخط الحدودي، وهي منطقة لا يوجد فيها سياج، فقد كانوا يحملون أسلحة وحقائب ثقيلة، فأطلق جرس الإنذار، فاكتفت قوات الاحتلال بإطلاق نيران كثيفة على المسلحين دون إصابة أحد منهم عندما اقتربوا من سفوح جبل الشيخ، وفشلت في إصابتهم من مسافة قصيرة، بل وسمحت لهم بالعودة إلى لبنان دون خدش، وعلى ما يبدو فإن  التعليمات التي صدرت إلى جنود الاحتلال تطلبت رداً دون إصابات، بهدف تفادي ردود أفعال انتقامية، قد تفضي إلى إشعال حرب في أسوأ توقيت يمكن تصوره.

يقيناً، فإن آخر شيء يريده نصر الله ونتنياهو هو إشعال حرب في ظل الظروف غير المواتية التي يمران بها، فأما لبنان فهي غارقة من رأسها حتى أخمص قدميها في أزمة اقتصادية طاحنة، ونصر الله يقبع تحت الحصار السياسي، والوضع في إسرائيل مشابه إلى حد ما، فبالرغم من توافر الغذاء والكهرباء إلا أن مستويات البطالة بين الصهاينة مرتفعة جدًا، والاقتصاد الاسرائيلي على شفا الركود، وشعبية رئيس الوزراء الصهيوني في الحضيض بفعل تفشي وباء كورونا واتهامه بالفساد.

في المقابل، لا زال هناك عامل داخلي مؤثر بقوة في ردود أفعال حزب الله، فخلال الأشهر الماضية، حاول الحزب بصورة متكررة التأكيد على أن الوضع الاقتصادي الكارثي في لبنان لم يلقِ بظلاله على سلوكه حيال إسرائيل، وهذا الموقف المتحدي كان متوقّعاً، حتى لو كانت قدرة الحزب على الدخول في نزاع واسع مع إسرائيل محدودة في ظل قواعده الشعبية المُفقرة والضعيفة، إذ يتخوف الحزب بأن يتصرف الإسرائيليون حياله استناداً إلى مثل هذا الاعتقاد، لأنه في حال شعرت حكومة نتنياهو بأي ضعف من جانب حزب الله، فبإمكانها ضرب صواريخه وربما استهداف ما هو أبعد من ذلك.

كلمات دلالية

اخر الأخبار