كيف اكتب مقال

تابعنا على:   18:30 2020-06-12

دينا عصام الدحدوح

أمد/ يظن بعض الناس أن كتابة مقال أمر سهل و ميسور، و انه لا يلزمك لذلك إلا أن تكون ملما بقواعد النحو و الصرف، متمتعا بشيء من الذكاء و المران على الكتابة...

و لكن هذا غير صحيح، إذ أن كتابة المقال من أشق الأمور و أجهدها للإنسان، حتى و لو أضفنا صفة العبقرية إلى صفات الكاتب السالفة الذكر، و هذا المقال: كما ترى، خاص بتصوير مصاعب كتابة المقال..

فأول شيء يلزمك كي تكتب هو قلمك الحبر، و قد يكون هذا أمرا بسيطا لولا تلك الصفة العجيبة التي تتمتع بها أقلام الحبر..

و هي أن تختفي عندما يشرع صاحبها في كتابة المقال، فهو ليس على المكتب و ليس في جيبك و أنت لا تذكرالبثة أين وضعته آخر مرة.. و لذلك يلزمك نصف ساعة كاملة قبل أن تجده، إما في الخزانة أو في الثلاجة، و كيف وصل إلى هناك لا تدري...

و هكذا تعود بالقلم الهارب، و تعد الأوراق البيضاء و تبدأ في الكتابة، و لا تكتب أكثر من خمسة اسطر حتى يكف القلم عن الكتابة، و إذا به قد فرغ من الحبر فجأة....

فتتنهد في غيظ و نفاذ صبر، و تريد ملأه من جديد و لكنك لا تجد زجاجة الحبر.إنها ليست على المكتب و ليست داخل المكتب.. فأين ذهبت؟ و هكذا يلزمك ربع ساعة على الأقل للبحث عنها في كل مكان معقول، حتى تعثر عليها مخبأة في دولاب الملابس بين المناديل و الجوارب.

كيف وصلت إلى هناك؟

لا تدري ، و أنت لا تريد إجراء تحقيق طبعا لأنك مشغول بكتابة المقال..

فإذا ما عثرت على الزجاجة فإنك تضعها على مكتبك، و تفتحها، و تضع القلم فيها و تشرع في ملئه، في اللحظة، التي تقبل فيها ذبابة طائرة و تدخل في أنفك..

حقا إنه ليست هناك أي مناسبة لحضور الذبابة في هذه اللحظة... ما جعلك ترتجف رجفة شديدة تخيف الذبابة و تطردها عنك، و تتسبب في الوقت ذاته في قلب زجاجة الحبر على المكتب و الأوراق، و على بذلتك التي يتفق دائما أن تكون هي أحسن بذلاتك و أفخرها..

و لكننا لا شان لنا بتلك الأمور المعقدة، و يكفينا أن نصف متاعب كتابة المقالات.

و الآن صار لزاما عليك.. أن تكتب بالقلم الرصاص الذي لا تحب أن تكتب به، و سيلزمك أن تعيد تبييض المقال عندما تعثر على حبر جديد...

و العثور على قلم الرصاص ليست أسهل من العثور على قلم الحبر طبعا، و لكنك تنجح في العثور عليه على أي حال، و تسرع في معاودة الكتابة... فلا تكتب غير سطرين أو ثلاثة و تهم بوضع نقطة على أحد الحروف حتى ينقصف القلم فجأة... و تواجهك مشكلة البحث عن موسى لبريه.

والبحث عن الموسى هو من أصعب الأشياء جميعا، يلزمك لكي تعثر عليه ـ لرقته ـ زمن طويل و بحث مضن، كما يلزمك في البحث عنه لحدته حذر شديد و رفق، و لكنك تجده في آخر الأمر و تعود به إلى المكتب. كي تبري القلم المقصوف، و هنا تبدو لك صعوبة كتابة المقالات على حقيقتها.

و إذ تشرع في بري القلم بالموسى، فإذا بك.. لعجلتك و نفاذ صبرك.. تبري أصبعك بدلا منه...

كلمات دلالية

اخر الأخبار