شرعنة المستوطنات

تابعنا على:   09:16 2019-11-26

نادية صبره

أمد/ “الاستيطان الإسرائيلي لا ينتهك القانون الدولي” هكذا صرح مؤخرا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو…

بهذه التصريحات يكون الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) قد نفذ كل وعوده الانتخابية إبتداءاً من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإنتهاءاً بشرعنة المستوطنات وتعريف اللاجئ الفلسطيني بأنه من خرج فقط وليس الأبناء والأحفاد .. وهو بذلك أيضاً يكون قد نفذ صفقة القرن واقعياً وإن لم يُعلنها صراحة لكن كل ما يحدث هو إعادة صياغة للموقف الأمريكي تجاه اكثر قضايا الشرق الأوسط تعقيداً وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني….

(ترامب) يحاول إيجاد حقائق جديدة على الأرض من خلال تحييد كل القضايا الرئيسية: الارض ، السيادة، الحدود، القدس، اللاجئين، المستوطنات.. فماذا بعد ضياع كل هذا ؟ ماذا سيبقى للفلسطينيين والإسرائيليين ليتفاوضوا عليه ؟

إن ترامب وإدارته ورجليه النشيطين (ديفيد فريدمان) و (جاريد كوشنر) وهم رجال الاستيطان بجدارة قدموا لإسرائيل أكثر مما تتوقع وأعطوا لليمين المتطرف الذي رحب بالقرار فرصة تاريخية لينفذ ما لم تستطيع كل الإدارات الأمريكية السابقة أن تقدم عليه رغم أنهم وعدوا بذلك، لكن ترامب فقط هو الذي وعد ونفذ…

اليسار الإسرائيلي هو الوحيد الذي انزعج من القرار ووصفه بأنه (السم في العسل) وأنه يؤثر على مستقبل إسرائيل وليس الفلسطينيين وإنه يمثل انحياز من الإدارة الأمريكية لليمين الحاكم وليس الدولة العبرية …

ولأن التوقيت هو كل شئ كما يقولون فلا نستطيع ألا نأخذ في الاعتبار لماذا اتخذ هذا القرار تحديداً الآن؟ فترامب لا يعنيه سوى الاعتبارات السياسية والحسابات الذاتية.. هو يريد الحفاظ على كتلته الانتخابية خاصة مع تزايد الأصوات المطالبة بعزله وشعوره بأن الدائرة تضيق حوله وأمريكا كلها تتابع دراما عزله في الكونجرس لحظة بلحظة …. يريد إرضاء الإنجيليين الذين يمثلون 80% من ناخبيه وكسب أصوات اليمين المتطرف وهم لوبي قوي شديد التأثير رغم أنهم ليسوا كثيري العدد… وليس هذا فقط هو أيضاً يريد تقديم يد العون والمساعدة لحليفه (بنيامين نتنياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يواجه صعوبات كثيرة في إسرائيل وتحرك داخل حزب الليكود لعزله أو استبداله بعد أن وجهت له اتهامات غير مسبوقة بتلقي الرشوة والتورط في الفساد مما أدى إلى تكثيف الضغوط عليه ليقدم على الاستقالة من منصبه … وتقديري أن نتنياهو لا يواجه المدعي العام الإسرائيلي فقط وإنما يواجه الدولة العميقة في إسرائيل التي باتت تضيق به ذرعاً لذلك وصف قرار تقديم لائحة الاتهام ضده بأنه إنقلاب عليه .

وليست مفاجأة بالطبع أن يحاول ترامب مساعدة نتنياهو ومحاولة تقوية موقفه للحفاظ على كتلة اليمين الفاشي فقد قدم له العديد من الهدايا عند كل استحقاق انتخابي… فما بالنا وهو الآن جريح سياسي وشخص ضعيف كما وصفته بذلك القناة الثانية عشر بالتليفزيون الإسرائيلي ولكن نتنياهو الذي تم تفصيل صفقة القرن على مقاسه ولا تصلح لغريمه (بني غانتس) قد لا يستفيد من هذا الدعم والموقف الأمريكي لا يخدمه فربما يكون في أيامه السياسية الأخيرة.

وهذا متوقف على نوعية الحكومة التي ستنشأ في إسرائيل ومدى مواجهة نتنياهو للضغوط عليه….

وقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة تقوض أي فرصة للحل السلمي وتقدم صفعة جديدة للقانون الدولي من أجل بضعة ملايين هم عدد سكان إسرائيل وتؤكد أنها لم تعد وسيط نزيه في عملية السلام التي لم تعد مجدية بعد شرعنة المستوطنات وإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للإحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربية وهو بمثابة تصفية أمريكية لمشروع حل الدولتين لتبقي دولة واحدة ستكون عنصرية…

إدارة ترامب تجاهلت قرارات دولية هامة مثل قرار مجلس الأمن رقم 446 الصادر في 22 مارس 1979 الذي يندد بممارسة إسرائيل بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس.

وكذلك القرار 1850 الصادر في 12 ديسمبر 2008 والخاص بالتأكيد على رؤية مجلس الأمن التي تتوخى منطقة تعيش فيها دولتان ديمقراطيتان (إسرائيل وفلسطين) جنباً إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

بالإضافة إلي مخالفتها لبنود اتفاقية جنيف الصادرة في 1949 (الاتفاقية الرابعة) وتنص علي طبيعة الحكم في مناطق محتلة بحرب ومبادئ ملزمة على دولة ما إذا أدارت شئون منطقة احتلتها بقوة وهي الحفاظ على الحالة القانونية القائمة في المنطقة عند احتلالها والحظر على نقل سكان محليين خارج المنطقة قهريا والحظر على إسكان مواطني الدولة في المنطقة المحتلة .

ومن أبرز المناطق الخاضعة لمبادئ هذه الاتفاقية هي الضفة  الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 .

القرار عارضه 106 نواب أمريكيون في الكونجرس وقال عنه السيناتور (بيرني ساندرز) انه غير قانوني وأن ترامب يعزل الولايات ويقيض الدبلوماسية من أجل قاعدته الشعبية.

كما رفضته الدول الأوروبية في مجلس الأمن واكدت أن كل النشاط الاستيطاني غير قانوني بموجب القانون الدولي المتمثل في القرار رقم (2334) الصادر في 23 ديسمبر 2016 والذي حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ومطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ولكن علينا أن نتذكر دائما أن (ترامب) لم يبدأ قراراته تجاه القضية الفلسطينية منذ أمس، بدءها من قبل الوصول للرئاسة عندما قال سألغي القرار 2245

وهو عندما اتخذ قرار شرعنة المستوطنات كان يعي جيداً أنه لن يكون هناك رد فعل قوي في الداخل الأمريكي ولا رد فعل قوي عربياً نظراً للظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية من حروب وصراعات داخلية وأي قرار دولي سيستخدم ضده الفيتو الأمريكي، هكذا حسمت هذه الملفات أمريكيا.

فهل انتهى كل شئ؟ بالطبع لا فبرغم الواقع الفلسطيني الصعب فالتعويل أولاً واخيراً على الموقف الفلسطيني لابد من موقف حاسم وأن يتخذ المجلس الوطني قراراً بمصالحة حقيقية وإيجاد مشروع وطني فلسطيني يوافق عليه  كل الأطراف، وكذلك موقف عربي موحد يتناغم مع الرفض الدولي الواسع ومن ثم ليس فقط المطالبة بإلغاء القرار وإنما بمقاضاة أمريكا أمام محكمة العدل الدولية لأن القرار ليس شرعيا وهو نوع من الاحتلال…

يجب التصدي للمذبحة القادمة للشعب الفلسطيني فكل نقطة دم تسيل هي مسئولية من أيدوا الاحتلال وأعطوه الشرعية … مسئولية الإدارة الأمريكية التي فقدت مصداقيتها وأخلاقها.

بدون ذلك فإن إسرائيل ستضم أجزاء من الضفة الغربية وسيثبت القرار الأمريكي معادلة جديدة وهي الدولة الواحدة (العنصرية) وليس حل الدولتين وسيتحول سكان الضفة إلى تابعين لهذه الدولة وهو ما لا يرضي به الضمير العربي ولا الضمير الإنساني.

كلمات دلالية

اخر الأخبار