الحرب المؤجلة حرب استطاعة أم حرب طاعة؟

تابعنا على:   20:22 2019-09-11

ماجد الشّيخ

تتدحرج كرة التوتير الإسرائيلية في اتجاه عدد من الجبهات، على وقع انتخابات باتت قريبة، وحرب استنزاف قائمة؛ لا توجد أية موانع من تطورها باتجاه حرب ساخنة، محددة الأهداف زمانيا ومكانيا، بحيث لا تتجاوز تواريخ محددة ما قبل انتخابات الكنيست في السابع عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري، أو ما بعدها، وذلك في أعقاب سلسلة تطورات أمنية قام بها الجيش الإسرائيلي في العمق اللبناني والسوري والعراقي، اضطر على إثرها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لاستدعاء زعيم "حزب أزرق أبيض"، بيني غانتس، للتشاور في شأن ما يجري من تصعيد وتسخين متبادلين على جبهة الحرب الأمنية والعسكرية، وذلك بحضور رئيس مجلس الأمن القومي والسكرتير العسكري، كما ذكرت صحيفة معاريف، وهي المرة الأولى التي يستدعي فيها نتنياهو غانتس لإحاطة أمنية، في توقع لوجود تطورات لم يفصح عنها الإعلام العبري، في أعقاب انتهاء اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) بعد انعقاد أربع ساعات مساء الإثنين (26/8/2019).

تذكرنا هذه الدعوة بدعوة رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت لنتنياهو قبل أيام من حرب غزة (2008- 2009)، وإن كنا الآن نعيش في ظل معطيات ظرف مختلف، قد لا يشير إلى ذات النتيجة التي أدت يومها لقيام تلك الحرب. فالوضع الراهن أكثر تشابكا مع ظروف وتعقيدات ما يجري في الإقليم وفي العالم.

تأتي هذه التطورات مجتمعة في ضوء ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" العبرية من أن نتنياهو قلق من وجود مساع داخل حزبه (الليكود) لعزله عن زعامته في حالة خسارة الحزب للانتخابات المقبلة. وقالت الصحيفة في تقرير موسّع يوم الجمعة (23/8/2019)، إن نتنياهو حذّر قادة الحزب خلال اجتماعه بهم من أن منافسه زعيم حزب "أزرق-أبيض" بيني غانتس، لا يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة تضم الليكود.

وفي هذه الحالة قد تواجه الأحزاب الإسرائيلية أزمة في تشكيل حكومة جديدة، إذا تحققت استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن كتلتي اليمين والأحزاب الحريدية من جهة، واليسار- وسط والأحزاب العربية من جهة أخرى، لن تتمكنا من الحصول على عدد مقاعد كاف لتشكيل ائتلاف حكومي.

وتتوقع استطلاعات إمكانية حصول كتلة اليمين والأحزاب الحريدية على 55 – 57 مقعدا من 120 مقعدا في الكنيست، وحصول كتلة اليسار - وسط والأحزاب العربية على 53 – 55 مقعدا، فيما يبقى حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة افيغدور ليبرمان، هو "بيضة القبان" التي قد تحسم هوية رئيس الوزراء المقبل.

ومع تصاعد الخلاف بين نتنياهو وليبرمان، اشترط الأخير لانضمامه للتشكيلة الوزارية المقبلة، أن تكون حكومة موحدة تضم "الليكود" و"أزرق-أبيض" و"إسرائيل بيتنا". وفي حالة رفض نتنياهو هذا العرض، هدد ليبرمان بمطالبة "الليكود" بالتخلص منه كزعيم للحزب. إلا أن نتنياهو وبعد لقائه قادة الليكود، حسم اتجاه الحزب بتعزيز قوته حتى على حساب شركائه في الائتلاف الحكومي، عبر حض اليمينيين للتصويت لحزب الليكود فقط، وليس للأحزاب الأخرى المشاركة في كتلة اليمين.

ويهدف نتنياهو من خلال ذلك ضمان تكليفه بتشكيل الحكومة، كونه زعيم أكبر حزب سياسي، وضمان حصول كتلة اليمين (دون ليبرمان) على 61 مقعدا في الكنيست لتشكيل حكومة. في حين يخشى نتنياهو أن تؤدي خسارته الانتخابات إلى منع سن قوانين حصانة تمنع محاكمته في ثلاث قضايا فساد، يواجه فيها تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويتوقع أن تبدأ محاكمته فيها بعد جلسة الاستماع الأولي المقرر عقدها بدايات أكتوبر/تشرين أول المقبل.

في أجواء متوترة كهذه، سياسيا وانتخابيا، مضافا إليها تلك التوتيرات الأمنية والعسكرية الملتهبة، ترتبك خيارات الحكومة الإسرائيلية، فأي الرسائل هي الأهم التي تريد توجيهها للداخل، وأيها تلك التي تريد توجيهها للخارج الاقليمي والدولي، وبما يخدم مصالح وتطلعات الإسرائيليين، وفق تقديرات نظام ترامب ومتلازمات حروبه التجارية والأمنية التي يعول على خوضها بالشراكة عبر العالم، ليس لصالح الداخل الأميركي، بل ولصالح المصالح الإسرائيلية من قبيل الصراع على النفوذ الاقليمي في المنطقة مع النظام الإيراني وميليشياته الوظيفية، المكرسة لخدمة أهداف طائفية/مذهبية واستراتيجية أنانية، لا علاقة لها بالصراع الاستراتيجي في المنطقة مع أي طرف، إلا في ما خفي من أهداف لا تحقق لشعوب المنطقة أهدافها وغاياتها النبيلة الوطنية والقومية، في مواجهة جبهة أعداء ولو بدت غير متماسكة، لكنها تقدم من الخدمات أجلّها لصالح التحالفات الاقليمية – الدولية الناشئة، بالشراكة مع مجاميع إرهابية داعشية، تشتد الحاجة إلى خدماتها في أي مكان وأي زمان.

من هنا يمكن قراءة رسائل نتنياهو المتعددة، شمالا وجنوبا، بالاستمرار في تصعيد تسخيني لضربات استنزاف ردعية، لا ترقى إلى حرب مكتملة الأركان، إلا إذا ذهب حزب الله إلى حرب موضعية لا يرغب بها هو نفسه، كما بدا الأمر في الآونة الأخيرة، كما حصل مؤخرا في رده على عملية عقربا في سوريا، وهذا ما قد ينسحب كذلك في رد قادم على "مسيّرات" الضاحية، ومن الواضح حتى اللحظة أن تكتيكات الاشتباك الردعية، لن تتطور أكثر من ذلك، بدافع من إرادة الطرفين في احتكامهما لإرادة إقليمية (إيرانية) ودولية (أميركية)، وبضغوط روسية وأوروبية، لمنع وقوع حرب أقلها في لبنان، أما في غزة، فقد تبقى "مكسر عصا" جيش الاحتلال وحصاره وحصار السلطة الفلسطينية، فالحرب هناك كما في لبنان مؤجلة، لحسابات سياسية وانتخابية، تتعلق بشخص نتنياهو ووضعه الدقيق في مواجهة قضايا ليست بسيطة، يواجه فيها مثلما سبق وواجه رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، إمكانية محاكمته وربما سجنه، في حال لم يحالفه الحظ في الانتخابات. على أن ما يجري في قطاع غزة، يمكن أن يبقى تحت السيطرة، إلا إذا فقدت غرفة العمليات المشتركة زمام المبادأة والمبادرة، بفعل صواريخ فردية تتبع "جماعات أو مجموعات وظيفية" غير منضبطة، قد تلاقي ردود فعل إسرائيلية إجرامية زائدة عن الحد.

انقلاب الأولويات والحيرة التي تنتاب نتنياهو وائتلافه الحكومي ونظامه السياسي اليوم، لا تتشابه مع أي فترة زمنية سابقة، لا لجهة وضعه الانتخابي وتضعضع تحالفاته الائتلافية، وتغير أوضاع جبهة معارضيه، ولا لجهة إطلاقه اليد للمؤسسسة العسكرية لتجريب جولات ردعية جديدة، ليس مهما أين؟ في الشمال أو في الجنوب، في سوريا أو العراق، وبالطبع ليس بدون إشراك الحليف الأميركي، واستمزاج رأيه في ما قد يجري عسكريا، لا سيما في ظل الصراع الأميركي – الإيراني على أحجام ومستويات النفوذ ومصالح كل منهما في المنطقة، ومحاولة تحجيم الطموح النووي الذي لم يتبلور بعد، في وقت يذهب الإسرائيلي بعيدا في تخطي الاستراتيجية الأميركية – الأوروبية، بالقفز نحو تحقيق طموح أعلى، يتجلى في الإصرار على تدمير القدرات النووية، وعدم السماح للإيرانيين باستمرار إحراز المزيد من الهيمنة على "رقع شطرنج" خاصة، عائدة لهدف تقوية نفوذهم، وتشغيل أو إسناد أدوار وظيفية لهم ولحلفائهم في كل من سوريا والعراق واليمن، مرورا بلبنان، وصولا إلى غزة. وذلك في غياب إجماع محكّم، يعوّل عليه في مؤسسات نظام كولونيالي فقد العديد من ميزاته القديمة، أيام كان الإجماع حديديا، تجاه العديد من القضايا، وفي طليعتها حروب العدوان الإجرامية التي تعاقبت على المنطقة، ردحا طويلا من الزمن، ولما تنته بعد.

وها نحن في هذه المنطقة المبتلاة بحروب الفتن، وانتحارات المذاهب وشظاياها، وصراعات إقليمية بأدوات محلية، وصراعات دولية بأدوات إقليمية، نقف على العديد من حواف وفوهات تفجرات حروب متنقلة، لفظية وربما في الغد فعلية، بينها تلك المفروضة بقوة الطاعة، وتلك التي يحدوها الأمل بقدرتها على الاستطاعة!.

كلمات دلالية

اخر الأخبار