أنقذوا جامعة الوطن

تابعنا على:   17:42 2019-09-03

جلال ابو نحل

وسط بلبلة غير معهودة عليها، وتشوّش متعمّد ضد مسؤوليها، وأبنائها، ونزاع قانوني جدلي عقيم محسوم أمرُه من قديم، وأسف على ما آلت إليه الأمور في مجتمعنا الفلسطيني، حيث كثرة الجنوح للظلم والافتراء، وانتشار الفاسدين والمفسدين، وأرباب المنافع الوهمية، فأصبح الأمر طبيعيا بين صفوف الكثيرين، وظاهرةً، وجُمِع زمام الأمر وتملّكه لأصحاب الخراب والهدم، ونُحيت القوانين جانبا، وأهدرت حقوق الآخرين- تحيا جامعة الأزهر الوطنية ذات البنيان الباسق، والإرث العلمي المتفرد بين شقي رحا؛ حالة من فساد إداري مستشرٍ، وفوضى قانونيةٍ مفتعلة، لن تؤدي حتما إلى لمزيد من التدهور التعليمي، والأكاديمي، فهذه المؤسسة العريقة تعدّ من أكبر الحصون العلمية والتعليمية، وواحدة من أهم قِلاعنا الوطنية الحصينة، ومنارة كبيرة، تحتضن جميع الطلبة الفلسطينيين الذين يمثلون شرائح وطبقات المجتمع كافة.

إن جامعة الأزهر هي الجامعة الأمُّ للكل الفلسطيني من مختلف توجّهاتهم العلمية والسياسية والاجتماعية؛ هي صرحٌ جدير بالاحترام، والمهابة، والذود عنها ضد كل كاره للوطن، وناقم عليه، فقد استمدت قامتها الشامخة من علمائها، وخريجيها الطلبة، والعاملين فيها، وستظل كذلك -بإذن الله-. 

ولكن هذه المنارة السامقة تشوبها آفات بدت حديثة عليها، فعملت على تشويه صورتها، وسُمعتها الذائعة، بل أضرت بها ومثقفيها، ولا ينبغي على الإطلاق وجود مثل هذه الممارسات في مثل هذه المؤسسة العتيقة من مثل التفرد بالقرارات على حساب الجامعة، ومستقبلها العلمي، واستغلال المناصب، وذلكم الإقصاء المتعمّد الأعمى للكوادر الأكاديمية والإدارية فيها، وتنحية الآخرين بدافع الأنانية والانتهازية، وسوء استخدام السلطة، وحب السيطرة والتحكم.

لقد كان من المفترض بهذه الجامعة العَلَم من خلال أهدافها التنويرية، وسياستها الوطنية المنبثقة من حب الوطن؛ أن تنهض بثقافة الشعب الفلسطيني لأعلى عليين، وتثريها، وتصوّب المعوجّ منها؛ وتعزز شعور الوحدة والولاء للفلسطينيين. 

ورغم هذا، فإن جامعة بهذه الأهمية العظيمة، والمكانة الكبيرة في قلوب الشعب الفلسطيني بمختلف طبقاته ومستوياته لن تخلو من شائبة فساد، وتضييقات إدارية؛ وعبث قانوني؛ لأن البعض يحاول أن يخصها له، وينفرد بكل مؤسساتها، ومراكزها، وإملاء رغباته على كوادرها وعناصرها، عبر قوانين ولوائح لا تخدم إلا المصلحة الشخصية فقط، بل تفصيل بعضها طواعيةً من قِبل بعض مسؤوليها، فجعلها تابعة منقادة له، ولخدماته، فسعى دون أدنى مبرر إلى تطبيق وتنفيذ سياسة حزبية فردية تلبي في المقام الأول توجهاته، ورؤاه الشخصية فقط. 

لذلك؛ لا بد من تفعيل دور الرقابة الإدارية حزما وشدة مع المخالفين لأسس وأهداف وأطر جامعة الأزهر، وتطبيق القوانين واللوائح الخاصة بتنظيم التعليم الجامعي الأكاديمي فيها دون مجاملة أو محاباة لأحد؛ كائنا مَن كان، وإنشاء مؤسسة تابعة للجامعة تُعنَى بتوعية وتبصير العاملين فيها بأهمية التحلي بالشفافية والنزاهة في التعامل مع القوانين والأنظمة الجامعية، وتفعيل مبدأ المساءلة القانونية على الجميع دون استثناء، والتنويه بطرق التعامل مع المواطنين كافة دون الانحياز لطرف أو فصيل على حساب آخر؛ حتى ينعكس هذا كله نحو مستقبل مزدهر يليق بصرح الجامعة، وطلبتها؛ وإعلاءً لمصلحة الوطن، وتحقيقها، ولا شيء سواها. 

وهنا تساؤلات لمَن كان لهم قلب وحِس وطني باقٍ.. ما الفائدة التي تعود على الجامعة بكل مكوناتها إنْ هي سارت لما هو مخطط له من انهيار وسقوط؟ ماذا يريد هؤلاء المتسلطون والإقصائيون من هذا كله؟ هل يريدونها أن تتحول لبيت خرِبٍ خاوٍ على عروشه؟ 

لذلك، فالزجّ بالجامعة إلى أتّون المجهول من قِبلِ مسؤولين بهدف تغيير سياساتها الوطنية، وتسييسها لتلبية رغبة فردية؛ يدفعنا للتحرك نحو الحفاظ على هذه المنارة العالية، ومنع تعثّرها وهبوطها بكل ما نملك، والحيلولة ضد هذا الابتزاز والاستغلال الذي يسعى لإفراغها من مضمونها العلمي والأكاديمي والتربوي.

وهذه المحاولة الفاشلة لهدم هذا الكيان العملاق، والمُضي به إلى هاوية مظلمة؛ من أجل تغليب مصلحة زائفة زائلة، وطرح غرض خبيث ملتوٍ يُعلَنُ للمواطنين؛ لا بد وأن يتصدّى لها العاقلون والوطنيون والمثقفون، وقبل ذلك كله العلماء من أبناء جامعة الأزهر، فهم أَولى وأعرف بشِعابِها، وأن يكونوا حاجزا منيعا أمام هذا التدهور الحاصل لها، وقد كنا في غِنًى عنه، وأن يكونوا عَونا للجامعة، وتاريخها، وعِلمها، وطلابها، بالوقوف صفا واحدا حائلين بين تنفيذ هذه الأغراض المشبوهة، واتخاذ قرارات ومواقف جِدية لا تقبل الهزل، تفعّل في ضوء القوانين، ومعالجة الخلل فيها، حتى يأتي ذلك كله بثمار يانعة على مستقبل الجامعة، وتقدمها، وتطورها، ومنافسة غيرها من الجماعات الأخرى على مستوى الوطن العربي، بما يخدم قضايا الوطن والمواطن. 

إن مستقبل آلاف الطلبة مرتهن بتصحيح قرار اتخذه مجلس أمناء تلاحقه شبهات التخلف الإداري، والتجاوزات القانونية، يهدف للمحاصصة المناطقية والفئوية، وصدّق عليه رئيسٌ موصوم بالعجز، (وسوف يثبت القضاء قريبا) أن أساتذة الجامعة والعاملين المعتصمين هناك هم أصحاب الحق، وأن كثيرا من المؤسسات عليها مجالس أمناء.. لا تُؤتمن! 
فلنسعَ جميعا نحن الفلسطينيين، لتلبية نداء جامعتنا جامعة الأزهر الوطنية إلى الصمود، وكسر حاجز الصمت، وإعلاء فخر ومجد عزتها، وإنقاذها من براثن الحسابات الشخصية والفئوية، والإقصاء، والنهوض بها جامعةً مزدهرةً متطورة؛ أكاديميا وتعليميا، بَنّاءة، تفتح أبواب مستقبل مشرق، وتوفر بيئة تعليمية أفضل تتسع للكل الوطني.

اخر الأخبار