يوميات سودانية (ح2)

د. مشارقة: ليتوقف الكون فسيولد "سودان جديد"

تابعنا على:   23:25 2019-05-01

أمد/لندن: أكمل د. محمد مشارقة مدير مركز تقدم للسياسات في لندن، عن الذين حكموا دولة السودان ثلاثين عاماً من خلال مقاله "يوميات سودانية ح 2"، سرد خلاله ما شاهده عندما زار السودان مؤخراً.

وقال د. مشارقة في مقاله "أرفع ايديك فوق التفتيش بالزوق، هكذا يستقبلك الشباب المتطوع لمهام الحراسة والتامين، مع مدخل الميدان من جهة مستشفى الاشعة، يرددون الطلب وهم يرقصون على انغام الاهزوجة".

وتابع: اخترت ان اصل مساء الى منطقة الاعتصام، بعد ان هبطت الحرارة الى اثنين وأربعين درجة، درت على خيم المجموعات المختلفة بعد ان خانني هاتفي النقال، وانقطعت الشبكة، ولم أتمكن من اللقاء بالأصدقاء السودانيين الذين ينتظروني داخل الميدان، هذا هو السودان بكل اقوامه واعراقه ومهنه ودياناته، نساء وأطفال وشباب وشيوخ، في كرنفال احتفالي، أحدهم يتحدث عن الهوية الملتبسة بين العروبة والإسلام واخر عن أهمية التعليم وتجربة سنغافورا وماليزيا، وتجمع يضم المئات يقفون امام شاب نحيل ينصتون باهتمام لحديث عن الرواية العالمية وعن مارك توين وهمنغوي والطيب صالح، ويشرح أهمية رواية عرس الزين مقارنة بموسم الهجرة الى الشمال.

وأردف مشارقة: تمشي سريعا متفحصا وجوها متشابهة تحت انوار المكان الخافتة، بحثا عن الأصدقاء قادة الحراك في الميدان الذين لم التقهم الا مرة واحدة ، كانوا منفعلين ومستعجلين حينها ، حدثوني عن نادي السياسيين التقليديين ، وانهم لا يثقون بكل الأطراف ، وان الثورة مستمرة حتى تحقيق كل أهدافها باقتلاع الدولة العميقة من جذورها ، اختلطت على المعاني واللهجات الغريبة ، المظلومية التاريخية الهامش ، التمييز العنصرية وركوب الراس أي العناد ،ضبابية الاستيعاب دفعتني للتفكير في انتماءات الشباب ، لغة لا تشبه  اليسار التقليدي ولا الليبرالي ولا حتى الجهوي ، حطاب اقرب الى السودانية الجديدة المنشودة ، والحالمة بوطن يضم الجميع .

وأوضح في مقاله: اتوقف عند جمهور اخر من جبال النوبة ونساء بلباسهن التقليدي المزركش بألوان افريقية يتوسطن الحلقة ويصحن بالغناء الشعبي والرقص، امر على معرض للكتب، وفنانين يرسمون على الوجوه، ومسرح للغناء، يقف عليه نجوم الغناء الكبار، الذين اضطروا الى الانحياز للثورة، لأنهم سيخسروا جمهورهم ومصدر رزقهم، فقد حدثني الأصدقاء عن الغاء عقود مع مطربين كبار للمشاركة في حفل زواج لانهم لم يعلنوا موقفا مؤيدا للثورة.

واستطرد: في الميدان تفكر مليا في التنظيم المتقن لكل تفاصيل حياة المعتصمين، فرق تجوب الساحات لجمع القمامة، وأخرى تشرف على براميل مياه الشرب، وثمة موائد للطعام تدخل بكميات كبيرة، تسال من يقوم على تنظيم ذلك، يأتيك الرد العفوي، بأنهم اهل الخير وجهود الشباب المتطوع، تسال إذا كانوا من الأحزاب السياسية او تجمع المهنيين او.. او .. ، يأتيك الرد بذكاء وخبث، كل هؤلاء ولا احد منهم .

وقال د. مشارقة: تعيش مع الناس وحواراتهم التي تدلل على وعي عميق بدورهم واهمية صمودهم في الميدان ليل نهار رغم الحرارة المترفعة. تخرج بخلاصة ، هنا يتخلق تاريخ جديد لجيل يصنع تجربته الثورية بنفسه بيديه وعرقه، جيل لا  أباء له ولا قادة معروفون غير ما ينتج في الشارع وفي اللحظة ، فقد افاق هذا الجيل على نظام واحد احادي النظرة والرؤى ، يعتقد انه يحكم باسمه الله  وبسيفه في مجتمع متعدد الأعراق واللغات والأديان ، نظام ، مارس قهرا متواصلا طيلة ثلاثين عاما .ولهذا لا عجب ان تجمع كل الشعارات المرفوعة والاغاني والاهازيج ، على رفض الإسلاميين وحكمهم .

   وأضاف : في اخر الليل، اسير طويلا حتى اجد مخرجا من الميدان يوصلني الى الشارع الرئيسي لأجد وسيلة نقل تعيدني الى الفندق، جلست لأستريح قليلا في مقهى شعبي، يسالني احدهم عن بلدي وسبب وجودي في الميدان ، ويبدي امتعاضه من ازمة السير الخانقة التي تسببها الاعتصام واغلاق الشوارع وتوقف سكة الحديد التي تربط شمال البلاد بجنوبها . وجدتني اتحدث بعفوة ودون تردد .. ليتوقف كل الكون ولتذهب مواصلات الاثرياء الى الجحيم ، في الميدان سيولد السودان الجديد. تركت كوب الشاي فلا اريد افساد المشهد الذي علق بذاكرتي ، فهؤلاء السودانيون السمر يختلفون عن كل الثورات العربية .

وختم الحلقة الثانية: سرت هائما في الشوارع على غير هدى، ولم يأت الى ذاكرتي غير محمود درويش.. " لن نترك الخندق، حتى يمر الليل ، الخرطوم للمطلق وعيوننا للرمل في البدء لم نخلق في البدء كان القول ، والان في الخندق ، ظهرت سمات الحمل .. " وللحديث بقية

ولقراءة المقال الحلقة الأولى أضغط هنا

كلمات دلالية

اخر الأخبار