جمهورية إسرائيل الثالثة!

تابعنا على:   11:59 2019-04-27

د. عبد العليم محمد

تحفل نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الحادية والعشرين، بدلالات خطيرة وجديدة نوعياً، حيث منحت اليمين القومى والدينى المتشدد وعلى رأسه نيتانياهو، الحق فى تشكيل الحكومة الجديدة الخامسة والثلاثين منذ إقامة إسرائيل، وتمثل الحكومة التى يعكف نيتانياهو على تشكيلها بداية الولاية الخامسة له، ومن ثم يفوق بقاؤه فى رئاسة الحكومة مدة بقاء مؤسس الدولة «بن جوريون» فى هذا الموقع، الذى قضى فيه نحو 13 عاماً، تتوزع هذه الولايات الخمس بين التواريخ التالية 1996-1999، و 2009 إلى 2019 ومن 2019حتى 2023؛ إذا ما قدر للائتلاف الذى تستند إليه الحكومة أن يتجنب الانشقاق، والتفكك بسبب بعض القضايا، خاصة تلك التى تخص قانون تجنيد المتدينين، والخلاف بشأنه بين حزب يهود التوراة وحزب «إسرائيل بيتنا» فى حالة اقتصار ذلك الائتلاف على أحزاب اليمين القومى والديني، وتجنب احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية مع تحالف أزرق أبيض، وهو احتمال ضعيف فى غالب الأحوال. أول وأخطر هذه الدلالات لنتائج هذه الانتخابات يتمثل فى ولادة جمهورية إسرائيل الثالثة بعد إسرائيل الأولى مع إعلان قيامها فى عام 1948، والثانية بعد عدوان عام 1967 واحتلال بقية أراضى فلسطين التاريخية والانتدابية، وتتميز إسرائيل الثالثة بتحديد هويتها كدولة يهودية، وأنها الدولة القومية لليهود وتتمحور سياساتها الاستعمارية حول الاستيطان والتهويد والسيطرة على أرض إسرائيل الكاملة، وحصر أكبر عدد من أبناء الشعب الفلسطينى فى أقل مساحة ممكنة من الأرض فى جيوب معزولة ومحاصرة، وتطبيق الفصل العنصرى ليس باعتباره ممارسات جزئية أو أخطاء، بل باعتباره قانونيا ودستوريا. بالإضافة إلى ذلك فإن التمركز حول هوية إسرائيل كدولة قومية لليهود فى فلسطين التاريخية، يتطلب من وجهة نظر ورؤية اليمين القومى والدينى المتطرف بزعامة نيتنياهو المطالبة بضم المنطقة «ج» من أراضى الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، وتعادل مساحة هذه المنطقة 60% من مساحة الضفة الغربية، ويرتهن مصير المناطق «أ» و«ب»، فى الضفة بالتداعيات التى من الممكن أن تنشأ من ضم المنطقة «ج» وموقف السلطة الفلسطينية، والمقاومة إزاء هذا الأمر، والهدف من الضم الذى صرح به نيتانياهو خلال الحملة الانتخابية هو تفكيك أوصال الدولة الفلسطينية والقضاء النهائى على حل الدولتين بل الإجهاز على ميراث أوسلو.

من المستبعد أن تكون التصريحات المتعلقة بضم المنطقة «ج» قد انطلقت فى أثناء الحملة الانتخابية دون جس نبض الإدارة الأمريكية الحالية ودون تفاهمات أولية مع «دونالد ترامب»، وأن لحظة الصفر لتنفيذ خطة الضم، من الممكن أن تكون هى لحظة الإعلان المنتظر فى شهر يونيو من هذا العام عن ملامح صفقة القرن، التى ترفضها السلطة الفلسطينية وكل الأطراف العربية. كما أنه من ناحية أخرى فإن خطة الضم للمنطقة «ج» من الضفة الغربية قد ترتبط فى حالة استكمال الائتلاف الحكومى اليمينى والدينى من زاوية التطبيق العملي، بمطالبة نيتانياهو حلفائه من اليمين الدينى والقومى بالتعاون والتكاتف من أجل سن قانون فى الكنيست الذى يسيطر اليمين على 65 من مقاعده، يمنح رئيس الحكومة حصانة فى أثناء توليه الحكم ويحول دون محاكمته على غرار ما يسمونه القانون الفرنسي.

هذه السياسات الإسرائيلية سواء تعلق الأمر بما هو مطبق منها فعلا، كتوسيع المستوطنات وتهويد القدس وشيطنة الفلسطينيين وإقصائهم، أو ما تزمع إسرائيل تطبيقه بشأن ضم المنطقة «ج» وانتظار الرفض الفلسطينى للصفقة المشئومة، وتستند إلى مناخ دولى صديق لإسرائيل إن فى الولايات المتحدة الأمريكية أو فى العديد من الدول الأوروبية؛ حيث يسيطر اليمين الشعبوى والمتطرف والعنصرى على مقاليد الأمور وتبنى ترامب الرؤية الإسرائيلية، وضعف الحاضنة العربية للشعب الفلسطينى وتمكين إسرائيل من استثمار الصراع فى المنطقة بين الدول الإقليمية لمصلحتها. أما ثانية هذه الدلالات للانتخابات الإسرائيلية فتتمثل فى قصور تحالف «أزرق أبيض» عن طرح برنامج بديل لبرنامج اليمين القومى والديني؛ حيث ركز هذا التحالف على الاستقامة الشخصية ونظافة اليد لرموزه بينما شاب مواقفه الغموض والعمومية عندما تعلق الأمر بالاحتلال والحل السياسي، وتميزت هذه المواقف بضبابية تحول دون رؤية البرنامج الحقيقى للتحالف وما إذا كان يطرح بديلا لبرنامج اليمين الذى تميز فى المقابل بالوضوح والصراحة. لم يفلح التحالف المناهض لليمين فى هذه الانتخابات من الإفلات من سطوة خطوط الحل والإجماع الإسرائيلى حولها واللاءات التى رسخها حول القدس واللاجئين والعودة والحدود، ومن ثم افتقد برنامجه التحديد والوضوح، وأصبح رهانه الأول هو إزاحة نيتانياهو واستعادة هيبة مؤسسات الدولة، والحؤول دون تعميق الانقسام، فى حين ظهر نيتانياهو وكأنه المخلص والمنقذ لهوية وأرض إسرائيل. حظى نيتنياهو بدعم من ترامب فى أثناء الحملة الانتخابية خاصة بعد إعلان المدعى العام عزمه على توجيه لائحة اتهام ضده، حيث سارع ترامب بإعلان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.

ثالثة هذه الدلالات هى تكريس الفكر الخلاصى القومى والديني، الذى يرتكز على مقولات دينية أسطورية ونزعات شوفينية عنصرية ورؤى خلاصية وأخرى عرقية إثنية، وهى مقولات ورؤى تتبناها جماعات دينية ارثوذكسية متزمتة وجماعات قومية علمانية شرقية وغربية، تنخرط جميعها فى كتلة اليمين الحزبية، وتمثل أطيافا مجتمعية متعددة وواسعة، هاجسها ومحركها ودافعها الأكبر هو الهوية والأسطورة العرقية والدينية. فى مواجهة هذا التحول الذى لم يكن مفاجئا وتراكم عبر عقود من الزمن، فإن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطينى بكل منظماته وقواه الحية، قد يمكنه استثمار النقد المتزايد الموجه من صفوف القيادات الديمقراطية واليهودية الأمريكية لنيتانياهو، وفى مواجهة التعاطف والتأثير المتبادل بين اليمين الإسرائيلى وبين قيادات اليمين الشعبوي، يمكن مناشدة تأييد القوى المناهضة للعنصرية والفاشية فى العالم، وتبنى الدبلوماسية الشعبية وبناء تحالفات ذات طابع دولى مناهض للعنصرية وداعم للحق الفلسطينى بمساندة الدول العربية الفاعلة والدبلوماسية العربية وتشابكاتها مع مختلف دول العالم واعتماد إستراتيجية جديدة لمواجهة التحديات الراهنة ترتكز على المقاومة بكل أشكالها وتوفير غطاء سياسى ودبلوماسى عربي، حيث لا يمكن مواجهة التحديات الجديدة بالإستراتيجية التى لم تثبت فاعليتها.

عن الأهرام

كلمات دلالية

اخر الأخبار