أولمرت يطل مجدداً
تاريخ النشر : 2015-11-24 22:19

تتجلى في تصريحات قادة إسرائيل، نمطية الصفة المتأصلة في الخداع والتسويف، وهي ما أزعم أنها غالباً ما تثير دهشتي وإعجابي في آن واحد. إن قدرة قادة إسرائيل على تسويق رواياتهم المضللة كأنها حقيقة دونها شروق الشمس من الشرق أمر يستحسن بنا نحن الفلسطينيين أصحاب الرواية الحقيقية أن نمتلكه وأن نحسن أداء دور الضحية وأن ننافس إسرائيل والشعب اليهودي كله على هذا الدور.

في سياق هذا المنهج التضليلي أطل علينا هذا الأسبوع، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، يهودا أولمرت، في مقابلة مع شبكة سي أن أن، ليكشف ما أسماه تفاصيل حول قرب التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين أثناء توليه رئاسة الوزراء في العام 2008، ورغم ما يحاط "ب أولمرت" من لغط حول سمعته وتهم الفساد المنسوبة له إلا أنه بهذا التصريح شكل مادة جيدة لألة الإعلام المضلل في إسرائيل لاستخدامها في الحرب الدبلوماسية القائمة بين أطراف الحلبة السياسية في إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية وانعكاساتها على السلطة الفلسطينية. فقد همس أولمرت في أذان مستمعيه أنه كان قريباً جداً من التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين وأنه قدم للرئيس أبو مازن اقتراح بقبول السيطرة على شرقي القدس وحائط البراق(حائط المبكى) لدى اليهود، مضيفاً تفاصيل أخرى خطيرة حول الراعي الأمريكي الذي دفعه للخروج من الحكم بسبب هذا الموقف المتقدم. وبعبداً عن الافتراض بصحة ما جاء على لسان أولمرت وجديته فيما يدعي أنه طرحه على الرئيس أبو مازن فإن هذا الخطاب هو أبعد ما يكون عن المصداقية والحقيقة، ولو أن الأمر مختلف لمَا فوته الرئيس أبو مازن وعاد بخفي حنيين وهو الباحث عن أي بصيص أمل. وبالتالي فإن خروج أولمرت اليوم لا يبتعد عن مشاغلة سياسية إسرائيلية متناسقة، لا تخرج عن الفعل الواعي في إطار توحيد المجتمع الإسرائيلي في إغلاق آخر حلقات التطرف على نفسها. وسد الثغرة على أي بصيص أمل قد تنفذ منه أصوات تريد أن تقدم شيئاً للفلسطينيين من أجل المساومة في عرقلة الانحدار المتدحرج في الأمن والاستقرار. قائلة ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأنه يتعين على الفلسطينيين فقط أن يقوموا بإحياء ما دفنوه في غمرة صلفهم ورفضهم للسلام. ودافعة بحزمة من المبررات يراد منها المس بالمنهج السياسي للرئيس الفلسطيني في مواصلة إحراجها أمام المجتمع الدولي حيث وصل الأمر حد المس بشخصه عندما وصفه نتنياهو قبل أسابيع بأنه داعش. فالأمر وإن بدا جزء من حالة الاشتباك السياسي الإسرائيلي الداخلي إلا أنه يُدار ببراعة فائقة بتوجيه بوصلته تجاه المعركة السياسية مع الفلسطينيين في الساحتين الدولية والفلسطينية وصلت حد الهذيان الذي يصيب بالغثيان من قبل رئيس وزراء إسرائيل بوصفه الحاج أمين الحسني بأنه المحرض الرئيس للزعيم النازي آدلوف هتلر بحرق اليهود. أما على الجانب الفلسطيني فإنها مواقف بتقديري ليست ببعيدة عما يدور من حالة الاشتباك السياسي غير المعلنة في الساحة الفلسطينية بين فرسان المعبد على ميراث السلطة التي لم يعد الرئيس أبو مازن صالح لها حسب أدوات القياس الإسرائيلية. وبالتالي تستخدمها إسرائيل ملهاة بين فرسان المعبد في منهجها المتواصل القائم على تقديم الملهاة تلو الأخرى في صراعها مع الزمن من أجل كسب الوقت. لذلك علينا مواجهة هذا العبث الإسرائيلي بقوة حاسمة تنطلق من قاعدة إنهاء الانقسام، إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للقانون والعمل المؤسساتي للمجلس التشريعي والإعلان عن موعد للانتخابات الفلسطينية بتمكين الشعب من فرز ممثليه بحرية بعيداً عن منهج هندسة مثلث التسلط ( إسرائيل، الولايات المتحدة، والنظام الرسمي العربي).