باب التفاوض الدوار..على الفاضي وضار!
تاريخ النشر : 2018-09-26 11:39

كتب حسن عصفور/ جاء إعلان الرئيس محمود عباس، انه مستعد دوما للقاء الطرف الإسرائيلي في أي مكان، والعودة الى المفاوضات دون شروط، لكنهم يرفضون ذلك، شكلا من "المفاجأة السياسية، التي لم تكن ضمن الحساب العام، كونه يعلن ليل نهار، انه لا مفاوضات برعاية أمريكية، ويجب أن تكون "ضمن مؤتمر دولي"، أو رعاية أخرى، تكون أمريكا ضمنها وليس الراعي الوحيد..

المسألة المثيرة فعلا، كيف يصر الرئيس عباس أن يتمسك بعملية تفاوضية لم يعد لها أي قيمة سياسية على الإطلاق، بل أنها فقدت أثرها، لأن الأساس العملي لها، لم يعد قائما، والتي بدأت  وفقها تم تدميرها، وخلقت دولة الكيان الإسرائيلي وقائع لا يمكن لأي مفاوضات أن تبدأ بعد تلك الخطوات، التي أدت الى تغيير جوهري في البنية التفاوضية الأساسية..

لا يوجد أي مبرر لإعلان الرئيس جاهزيته الدائمة للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي "المجاني"، ويبدو أن البعض قدم له "نصيحة مسمومة"، بأن يبدا في المناورة لدق إسفين بين واشنطن وتل ابيب، عبر "الورقة التفاوضية"، وكأنهم يقولون للشعب الفلسطيني، عليك بمصادرة وعيك كاملا، وأن تمسح الذاكرة السياسية كليا، وترى تلك "الفرصة الذهبية" التي "لجأ لها الرئيس عباس"، للتمييز بين أمريكا وأسرائيل، بل ذهب البعض الى ما هو أكثر "سذاجة" بالإعتقاد أن حكومة نتنياهو يمكنها أن تلتقي عباس، وليس تتفاوض معه، وهو يدير ظهره لأمريكا..

لتنشيط ذاكرة الرئيس عباس، الذي كان أحد عناصر "خلية أوسلو"، ان ذلك الإتفاق تم الوصول اليه لأن رابين قرر التفاوض مع منظمة التحرير برئاسة الشهيد الخالد أبو عمار، دون أي رضا أو توافق مع أمريكا، وأن كل اتفاقات أوسلو ( إعلان المبادئ 93، إتفاقية غزة - أريحا 94، والإتفاق الإنتقالي 95) قد تمت بشكل كامل، دون اي مشاركة أمريكية على الإطلاق، بل لم يكن هناك رعاية لها من أي طرف، بالمعنى المتفق عليه، وكانت النرويج دولة مستضيفة في الأولى ، ثم مصر في الثانية، فإيطاليا كمان في الثالثة، وإنتهت في إيلات..

المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الوحيدة، التي وصلت لإتفاقات تمت دون حضور أمريكي، ودون رعاية دولية، والسبب  الوحيد لها أن الطرف الإسرائيلي أراد أن يحقق تفاوض عملي..وعل تلك كانت أحد أسباب التفاهم اليميني - الأمريكي لإغتيال رابين، كونه كسر أهم أركان "التفاوض" في الإطار الأمريكي، الى جانب تنازله عن "الرواية التوراتية" للصراع الفلسطيني  الإسرائيلي، بموافقته في إعلان المبادئ، على إعتبار الضفة والقطاع أرض فلسطينية وولايتها لها، والقدس ( دون تقسيم شرقية وغربية) موضوع تفاوضي في إطار الحل النهائي..

كان الأجدر بالرئيس عباس وفريقه السياسي المحدود جدا، أن يكف كليا عن الإشارة لأي تفاوض فلسطيني إسرائيلي، ثنائي أو برعاية دولية، ليس لعدم جدواه أو لعدم إمكانية حصوله فحسب، بل أن  رفض اللقاء مع أمريكا عائق أمامها..

المسألة الرئيسية لم تعد تفاوض بالمعني التقليدي، بعد أن فقدت المسألة التفاوضية السابقة كل عناصر حيويتها، ولأن معادلة العلاقات بين الطرفين تغيرت جذريا، بعد قرار الأمم المتحدة 19 /67 لعام 2012، الخاص بقبول فلسطين دولة كعضو مراقب..

الأهم من الناحية الإسترايجية والسياسية، كان أن تتصدر مسألة الإعتراف الإسرائيلي بقرار الأمم المتحدة شرط الضرورة لأي إتصال سياسي - تفاوضي مع تل ابيب، وأن مفتاح العلاقات المستقبلية يبدأ من هنا، ولا عودة إطلاقا لما قبل ذلك القرار..

والأهمية في تركيز الرئيس عباس وفريقه الخاص، على مسألة دولة فلسطين والإعتراف الإسرائيلي بها، لتأكيد أن الجديد الذي حدث عام 2012، ليس قرارا في الهواء، بل هو قاعدة لتأسيس علاقات المنطقة ليس بين إسرائيل وفلسطين فقط، بل والعلاقات مع العرب، ولذا لم يعد مناسبا ابدا ترداد عبارات "جوفاء" أو فقدت مفعولها، وأصبحت "كادوكا سياسيا"، كما ذاك "الإختراع العرفاتي" في وصفه للميثاق يوما..

نعم، أي حديث لا ينطلق من تطبيق قرار الأمم المتحدة كمفتاح الضرورة السياسية، والذهاب الى لعبة "الباب الدوار" لإحياء ميت التفاوض لن تخدم البعد الإستراتيجي للقرار الأممي، بل توحي بشكل مباشر أن عباس ليس متمسكا به، وأنه على إستعداد للتخلي عنه، لو تجاوبت إسرائيل مع بعض ما يريد..

الحديث عن جهوزية التفاوض دون الإعتراف بقرار الأمم المتحدة حول دولة فلسطين ليس سوى
هراء سياسي"..الحديث عن "حل الدولتين" خدعة سياسية، الإشارة الى المبادرة العربية للسلام بات بلا قيمة بل ويمكن إعتباره مؤشر سلبي..

فقط هناك باب وحيد، الإعتراف بقرار الأمم المتحدة، وإكمال التفاوض بين دولتي فلسطين وإسرائيل حول طبيعة العلاقات وتسوية قضية اللاجين وترتيبات خاصة في القدس وتبادل الأراضي..دون ذلك من إستعدادات للتفاوض ليس سوى "إستسلام مقنع"..

ملاحظة: خطاب الأمين العام للإمم المتحدة غوتيريش في إفتتاح الجميعة العامة يوم 25 سبتمبر، نعى رسميا الحل السياسي ومنتجه دولة فلسطين..غوتيريش تجاوز كثيرا دوره بما قال..

تنويه خاص: معادلة تتبلور بسرعة على الطرف الفلسطيني إلتقاطها..روسيا لن تكون مع الكيان كما كانت قبل إسقاط الطائرة..فرصة قد تكون تاريخية لو أحسن الإستخدام السياسي لها..!