فيتو الحرب على غزة
تاريخ النشر : 2018-02-22 13:01

تصاعد حدة التوترات وحدوث التحامات عسكرية مباشرة بين إسرائيل وكل من سوريا وإيران، ضاعف من التقديرات التى ذهبت إلى عدم استبعاد وقوع حرب، مجالها الأراضى السورية أو اللبنانية.

المتابعون لتعقيدات المشهد الإقليمي، استبعدوا هذا الاحتمال، فحدوثه يعنى فتح الباب لسلسلة طويلة من الصراعات، قد تؤدى إلى احتكاكات بين قوى دولية مؤثرة، نجحت فى تجنبها على الأراضى السورية خلال السنوات الست الماضية، ووصل الأمر إلى تفاهم على مناطق النفوذ والتعاون التنسيق، بما أبعد شبح الصدام العسكرى ولو بالصدفة. فى ظل الحشود التى تزخر بها الساحة السورية، لا أحد يستطيع القطع باستبعاد سيناريو الحرب، لأن المناوشات بين إسرائيل وإيران ارتفعت سخونتها عما كان معروفا عنها، بشكل قد يُغير معادلة القوة التقليدية التى ارتاحت لها الأولى ومكنتها من تحقيق تفوق نوعى لافت، لذلك يرى البعض أن الحرب ربما تكون وسيلة إسرائيلية لإعادة التوازن لسابق عهده.

المعلومات الواردة من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وغيرها، شددت على عدم الرغبة فى الانجرار إلى حرب مؤشراتها تلوح فى الأفق وبقوة، لأنه يصعب السيطرة عليها عند الحدود التى يريدها أى طرف، فى وقت أصبح فيه السلاح يملأ جعبة الكثير من القوى, وفائضه أو اختباره أو تعديل الدفة، من ضمن عوامل عدة تغرى بالعدوان.

كبح جماح الحرب فى سوريا، لم يحل دون كلام عن نية إسرائيل شن حرب جديدة على لبنان، واستهداف عناصر حزب الله الذى تضخمت قوته المادية والمعنوية عقب انتصارات حققها فى سوريا، لكن النتيجة التى تؤجل المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، هى نفسها يمكن الاستعانة بها لفرملة الحرب على لبنان.

بمعنى آخر، من الصعوبة السيطرة على المدى الذى يمكن أن تبلغه المعركة العسكرية، فطهران التى وقفت إلى جانب حزب الله فى الحرب الماضية بصورة غير مباشرة، قد تجد نفسها منخرطة فى الحرب الجديدة، ما يخلط الكثير من الأوراق ويجعل من الترتيبات التى تريدها قوى كبرى للمنطقة عملية مستحيلة.

المقارنة بين ظروف حرب لبنان 2006 وما يجرى الآن بعد نحو 12 عاما مختلفة تماما، من حيث الأجواء والأهداف والقدرات العسكرية والحسابات السياسية، وإرادة بعض القوى الدولية فى السيطرة على التصورات والتصرفات وتحجيم الانفلات, أصبحت أقل اليوم، ما يجعل الفوضى مصيرا محتوما لهذا النوع من الحروب المرفوضة. الحلقة الضعيفة التى يتم الحديث عنها الآن، هى قيام إسرائيل بشن حرب على قطاع غزة، تعيد لها ما فقدته من هيبة وقوة معنوية إثر سقوط طائرة إف 16 بصاروخ انطلق من الأراضى السورية أخيرا، كاد يصيب معه قيادتها العسكرية بالدوار، لأن دلالاته الميدانية كبيرة.

ميل كفة الحرب نحو غزة استند إلى اعتبارات كثيرة، فى مقدمتها تجنب الصدام المباشر مع إيران، ومحاولة قصقصة أجنحة حماس العسكرية التى تنامت، ورغبة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو فى الهروب إلى الأمام، عقب تصاعد الاتهامات الموجهة له بالفساد، والاستعداد لانتخابات الكنيست المقبلة بتحقيق نصر معنوي. التجهيز للحرب بدأت إرهاصاته تظهر خلال الأيام المنصرمة من خلال قصف متقطع قام به جيش الاحتلال على غزة، وإطلاق صواريخ كتائب عز الدين القسام على إسرائيل وتزايد الالتحامات عموما فى الأراضى المحتلة بغرض تهيئة بيئة مواتية لإشعال الحرب.

الترجيح أيضا اعتمد على ما تمر به حماس من مأزق نوعي، فهى تعانى من انقسام داخلى يتم التغطية عليه، وتواجه صعوبة فى التفاهم مع حركة فتح بشأن المصالحة الوطنية والفشل فى جدولتها بطريقة عملية. كما أن عوامل تقليص الدعم الإقليمى بدأت تظهر ملامحها على الفلسطينيين فى غزة، الذين حمّلوا حماس، إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، مسئولية الأوضاع البائسة التى يعيشها سكان القطاع، وبات بعضهم يتمنى الحرب بحسبانها وسيلة للخلاص من حكم حماس الممتد منذ حوالى عشر سنوات أملا فى واقع جديد يؤدى إلى انفراجة اقتصادية وسياسية.

كل هذه علامات تبدو حافزا قويا لاندلاع حرب إسرائيلية على غزة، لكن ثمة عوامل مقابلة توقف الاندفاع نحوها، وتجعلها خيارا غير مرغوب فيه، ربما تكون المبررات مختلفة نسبيا عن سوريا ولبنان، غير أنها فى النهاية تقود إلى نتيجة واحدة، ويمكن التوقف عند أربعة محددات رئيسية.

الأول: إسرائيل لم تعد تستطيع تمرير رؤيتها كما تريد، وهناك دول كثيرة فى العالم غير قادرة على تقبل أو تحمل نتيجة عدوانها المتكرر على غزة، بعد أن أرخت المأساة الإنسانية بظلال سياسية على قيادات عديدة، وأجبروا على التفكير بجدية فى حلول توقف التداعيات السلبية، فما بالنا إذا نشبت حرب جديدة؟

الثاني: حماس تريد الحفاظ على قوتها العسكرية التى راكمتها خلال السنوات الماضية، وتدرك انعدام توازن القوى بينها وإسرائيل وأى مواجهة ستفقدها جزءا كبيرا من قدرتها المسلحة، وهو ما تنعكس آثاره القاتمة على موقفها فى مواجهة غريمتها حركة فتح، بالتالى يجب التعامل مع رغبتها المعلنة فى تجنب استفزاز إسرائيل بنوع من الجدية.

الثالث: المحيط الجغرافى الملتهب من السهولة أن تتورط بعض القوى الفاعلة فيه، وتجد فى أى حماقة إسرائيلية باتجاه غزة مدخلا لإرهاق إسرائيل، لاسيما أن إيران تملك وفرة عسكرية فى سوريا قريبة من إسرائيل، كما أن حزب الله اللبنانى سوف يجدها فرصة لخلق واقع يمنحه مساحة أكبر للنفوذ لمجرد تلويحه بدخول الحرب. الحاصل أن العوامل التى جعلت من غزة جبهة منفصلة عن جنوب لبنان وسوريا ساحة بعيدة عن إيران، تلاشت تقريبا، والمسافات العسكرية والسياسية تتقارب بما يجعل التماهى بينها مسألة ليست صعبة، وهو أحد التفسيرات التى يمكن الاستناد إليها فى ردع الحرب المنتظرة.

الرابع: صفقة القرن، وهى المشروع الذى يتبناه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ويعتبر تحقيقه أو حتى الاقتراب منه أحد أهم إنجازاته السياسية، وأى عدوان على القطاع يمكن أن يخلط الكثير من الأوضاع، ويمنح القوى المتشددة ذريعة كبيرة للتشكيك فى نيات واشنطن، ومن مصلحتها وقف أى تدهور محتمل، كما أن موسكو لن تفرط بسهولة فيما حققته من نجاحات إقليمية, لذلك الفيتو الدولى هو أول من يوقف الحرب على غزة.

عن الاهرام