فلسطين ستبقى في ذاكرة الشعوب
تاريخ النشر : 2016-10-23 13:44

الذين راهنوا على شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة الشعوب العربية ووعيها، والذين اعتقدوا أن هذه الشعوب سوف تنشّد إلى أزماتها الداخلية الكارثية بعيداً عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، هؤلاء جميعاً أصيبوا بإحباط شديد ، حيث نرى المواقف لكافة القوى العربية تعتبر إن ما يجري في المنطقة برمّتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين، ، لهذا إن من يعتقد أنه يمكن لهذه الشعوب ان تعيش بأمان بنأى عن القضية الفلسطينية، فهو واهم، فهي ستبقى القضية المركزية للشعوب العربية واحرار العالم .

وفي مثل هذه الظروف ، فإن من واجب كافة القوى العربية والفلسطينية أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي يحقق قدرتها على الاستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن، وأن تتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح والأهداف الوطنية والديمقراطية المطلبيه ، ارتباطاً وثيقاً بالرؤية القومية للصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع عربي إسرائيلي ، جنباً إلى جنب مع تفعيل دورها في دعم المقاومة بكافة اشكالها ، في المكان المناسب والزمان المناسب ، والعمل من اجل انهاء الانقسام ، والانطلاق إلى رحاب الجماهير الشعبية والتوسع في صفوفها لكي يستعيد شعبنا من جديد، أفكاره وقيمه الوطنية والديمقراطية والاجتماعية ، وطرد قيم الانتهازية ، الأمر الذي يفرض على هذه القوى والفصائل والأحزاب مراجعة تجربتها وخطابها وإعادة صياغة رؤيتها وبرامجها ودورها المستقبلي في إطار العلاقة الجدلية الوثيقة مع الأحزاب العربية، وهي عملية تندرج تحت بند “الضرورة التاريخية” للتيار الوطني التحرري الديمقراطي عموماً وخصوصاً في فلسطين والوطن العربي، انطلاقاً من قناعاتنا بأن اغلبية النظام السياسي العربي لم يختلف في واقعه الحالي من الخضوع والتبعية والارتهان والتخلف ، لذلك فإن المهمة العاجلة أمام القوى وألاحزاب العربية والفلسطينية ، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية ، الوطنية ـ القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ، انطلاقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف بنفس الدرجة ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره ، وتكريس تبعية وتخلف وإفقار بلدانه وشعوبه، وهذا يعني أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي الإمبريالي من أجل تغيير وتجاوز النظام العربي الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل تحقيق أهداف الشعوب في الحرية والديمقراطية ، وتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

من هنا تكتسب هذه الأقوال قيمتها وأهميتها في الوقت الذي يصعد فيه الشعب الفلسطيني مواجهته للاحتلال وقطعان مستوطنيه، ويقدم قوافل الشهداء، حيث ترتكب قوات الاحتلال المزيد من الوحشية دون أن يحرك ساكناً أولئك الذين يسمون أنفسهم (المجتمع الدولي)، وهو نفسه (المجتمع) الذي هبّ من أقصاه إلى أقصاه لتلبية نداء مراكز الإرهاب العالمية، فنظم أكبر عملية تجنيد للمرتزقة وأرسلهم إلى المنطقة، لتفتيتها من الداخل ، حيث تقف القوى العربية ومقاومتها في مواجهة مؤامرات الإمبريالية والصهيونية ومخططاتها، والرجعية العربية أيضاً.

من هذا الموقع نقول ان الحرب التي بدأت منذ احتلال العراق وما تلاها من مشاريع امبريالية واستعمارية وهجمة ارهابية ، هدفها الرئيسي تصفية القضية الفلسطينية، هؤلاء أيضاً غاب عنهم جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي هو امتداد لصراع حركة التحرر الوطني العربية ضد الهيمنة الإمبريالية على منطقة الشرق الأوسط، التي تبتغي الحفاظ على أمرين اثنين، أولهما مصالح الغرب النفطية، وثانيهما أمن إسرائيل، وفي كلتا الحالتين فإن المعركة مفروضة على الشعوب العربية فرضاً، ولا خيار لها سوى المقاومة، إلا إذا أرادت الاستسلام أمام المطامع الاستعمارية، كما يفعل بعض العرب الآن.

امام هذه الظروف نقول بكل وضوح ان القضية الفلسطينية ليست قضية عاطفية، وليست مواقف متشددة يتخذها بعض العرب الوطنيين، بل هي مصالح الأقطار العربية نفسها التي باتت مستهدفة بعد نشوء إسرائيل منذ أكثر من 68 عاماً، وكل التنازلات التي قدمها  العرب حتى الآن لم تنفع في وضع حد للتغول الإسرائيلي على المصالح الفلسطينية والعربية عموماً، فقد شنت إسرائيل أربع حروب على العرب ، واحتلت ولاتزال تحتل أجزاء من هذه الأقطار وتحديدا الجولان ومزراع شبعا وكفر شوبا ، وماتزال تحتفظ برصيد كبير من الأسلحة النووية ، وما زال الاستيطان الإسرائيلي يتوسع أكثر فأكثر على حساب الارض الفلسطينية.

في ظل هذه الظروف التي تعيشها الدول العربية وخاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا ، حاولت إسرائيل أن تدعم القوى الارهابية في الأحداث، حيث تتدخل بكل وقاحة إلى جانب الإرهابيين في المناطق الجنوبية من سورية، وتمدهم بشتى أنواع المساعدات العسكرية واللوجستية ، وهي تعلن حرصها على حماية ما تسميه (مصالحها) في مياه الجولان السوري المحتل وأراضيه، وعدم قبولها بالتنازل عنها، رغم كل القرارات الدولية بهذا الصدد.

إن أهم ما تسعى إليه حكومة الاحتلال اليوم هو ضرب الجيوش العربية الوطنية التي تهدد عدوانيتها، وأهمها الجيش العربي السوري، والجيش المصري والجيش العراقي، لذلك فإن المعركة باتت مفتوحة في كل الاتجاهات، لإشغال هذه الجيوش في هذه البلدان واستنزافها بمعارك داخلية عبر تحريك الإرهابيين والعملاء، وإبقاء العرب دون قوى رادعة تسترد ما احتل من أراضيهم وتحمي استقلال الباقي منها.

ختاما : لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني الذي يقدم الشهداء من خلال  ملحمة جديدة من البطولات، يدرك ان المرحلة تتطلب تجميع كل طاقات وخبرات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومواقع الشتات واللجوء ، مما يستدعي العمل على وحدة الموقف والقرار الوطني الفلسطيني وإستقلاليته ، حتى يبقى الشعب الفلسطيني قابضا على الثوابت ، وقابض على الجمر ، ولم تهن أو تضعف عزيمته ، وهذا بحاجة الى انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة تفعيل مؤسساتها باعتبار الجميع شركاء في السياسة والنضال والقرار  على قاعدة شركاء في الدم والأسر حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .

كاتب سياسي